فريدا كاهلو .. أيقونة مكسيكية ناشدتِ الخلاص
حنان علي
قبل ستين عاماً في المكسيك، كان يمكنك السماع عن الفنان دييغو ريفيرا، وأقل بكثير عن زوجته، لكنّ رسام الجداريات والفن السياسي الأفضل فيما مضى، قبع في الظل بعد بزوغ ضياء شريكة حياته ولم يصمد فنه طويلاً أمامها، فلماذا تفوقت فريدا كاهلو على زوجها؟
” لم أرسم أبداً أحلاماً، بل أرسم واقعي الحقيقيّ فقط” لستٍّ وعشرين سنة، رسمت نفسها، وجهها مرة بعد مرة، محررة أنفاس روحها وعبق بشرتها السمراء وجسدها العليل الذي كانت تحبه إلى درجة النرجسية.
مكابدات أزلية
من أب ألمانيّ مهاجر، وأمّ مكسيكية ذات أصول هندية ترعرعت الطفلة في العاصمة المكسيكية، لتقاسي في باكورة سنواتها من شلل بإحدى ساقيها، لحقه حادث أليم تسبب بعرجٍ مستديم وحرمان من الإنجاب. زواجها من رسام الجداريات الشهير دييغو ريفييرا عام 1929 كان له دور مهمّ في توجّهها نحو الرسم، الزوج الذي ما برح حبيباً رغم الانفصال: “أرى نفسي اليوم ما توقّفت عن حبّك، بل وأحبّك أكثر من جلدي، رغم معرفتي بحبك الأقل قدراً، لكنك تحبّني قليلاً، أليس كذلك؟”.
القليل من الارتباط الفني جمع بين كاهلو وريفيرا، فـالزوج المنحدر من عائلة ارستقراطية، المتعلم للرسم في أوروبا، كان أكثر تطوراً من كاهلو ذات الجذور الهندية، والتي ما لبثت تفضل “الجلوس على الأرض في سوق تولوكا وبيع الفطائر من أن يكون لها أي علاقة مع الشخصيات الفنية في باريس”. لكن كاهلو ما انفكت زوجة صالحة، حاولت على الدوام محو الأضواء عن عبقريتها الذاتية في سبيل زوجها. إحدى مفارقات حياتها كامنة في قيام شهرتها على سوء فهم للمساواة بين الجنسين، إذ تسبب تحديقها الصريح وشعر وجهها بمنحها مسحة من السلطة الذكورية التي لم تكن لديها إلى حدٍّ كبير، فيما تجلت المفارقة الثانية بشعورها بالخزي لشهرتها الأوسع من زوجها!
” إنها شخص طافحٌ بالدموع وتشرّع قلبها للبوح بما تشعر به” هكذا كان يراها الزوج المدرك لشغفها بالرسم، رغم قضائها سنوات طويلة ملتزمة بسرير متنقل، محدّقة بمرآة ضخمة في سقف غرفتها مجسدة صورتها المنعكسة، مازجة ألوان خيالها مع مأساتها لإنتاج لوحات تحمل في مضامينها الحياة بكافة أبعادها.
نقّاد
“لا أنا ولا أنت بمقدورنا تجسيد الصور الذاتية كما تفعل فريدا». بهذا خاطب بيكاسو زوجها مبدياً رأيه بأعمالها. أمّا ريفيرا نفسه، فقد وصف نتاجها الفنّي : بـ” المحبوب والرائع والمبتسم والقاسي كحال الحياة”. فيما عبّر كارلوس فوينتس أهمّ روائيي أمريكا اللاتينية عن معاناتها بالقول: «لا أحد من فناني القرن العشرين ناله الألم مثلما نال من فريدا».
مثلٌ يحتذى
كآلهة مكسيكية تشرق كاهلو في معظم لوحاتها، ثابتة خاوية المشاعر، مع حاجبين أسودين ملتصقين، تقدم معاناتها قرباناً من أجل خلاص شعب المايا. في صورتها الذاتية: احتضان حب الكون في أربعينيات القرن الماضي، تمثل كاهلو الآلهة ذاتها برفقة ريفيرا الطفل بأسطورة خالدة، وقدرة ذاتية على الخلق، هذا ما جعل الفنانة أنموذجاً إبداعياً لدى مؤرخي الفن الأميركيين حينما تبنوا المساواة بين الجنسين والتعددية الثقافية أثناء فترة السبعينيات. إنها كاهلو من جعلت كلاً من قضية المرأة و الرجل والموضوعات الجنسية والحياة المفعمة والمقاومة ممكنة في الفن.
بعد حياة صاخبة وتراجيدية رحلت فريدا كاهلو عام 1954 مخلِّفة إرثاً للبشرية يصل إلى 150 لوحة من أجمل اللوحات المترعة بالحزن والإصرار.