بصحبة سليمان العيسى.. شكّل ممتاز البحرة عالماً ساحراً للطفولة

راوية زاهر:

صدر في سلسلة كتاب “أعلام ومبدعون”، كتاب “ممتاز البحرة” من إعداد رامز حاج حسين، وهو صادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، مسطراً بأحرف من نور رحلة الفنان التشكيلي معلم الأجيال الحب والعزف على قيثارة اللون “ممتاز البحرة”، والبحرة فنان تشكيلي من مواليد مدينة دمشق، صاحب موهبة لفتت الأنظار إليها في سن مبكرة في مجال الرسم والإبداع،

تلقى تعليمه في مدارس دمشق، ثم سافر إلى القاهرة لإتمام دراسته في كلية الفنون الجميلة، ولكن وفاة والده حالت دون إتمام هذه الرحلة، فعاد إلى دمشق معيلا لأسرته، وقد أتم دراسته في كلية الفنون الجميلة بدمشق وتخرج فيها سنة ١٩٦٤م.. عمل في الصحافة ورسم الكارتير ومارس الرسم الصحفي، وكانت أول مجلة رسم فيها هي مجلة “الجندي”، كما عمل في صحف “تشرين” و”الثورة ” و”الصرخة السورية”، و”الرأي العام”، ومجلة الطليعي ومجلة المعلمين ومجلة التلفزيون السوري، غير أنه كان لعمله في مجلة “أسامة” لون آخر من الكلام.

أما عن مهنته فقد كان مدرساً للتربية الفنية في معهد إعداد المدرسين (قسم الفنون)، كما درّس في دار المعلمين وفي كلية الهندسة، كذلك درّس الفنون في شمال الحسكة حيث الغنى والتنوع الحضاري الذي زاد وأغنى ذاكرته البصرية.. ومن هواياته الصيد والرسم والمطالعة.. ويُحكى أنه كان لديه نوعان من الأصدقاء: أصدقاء العمل اليومي من كتّاب وفنانين، وأصدقاء حميمون وهم شخصيات القصص التي يرسمها.. وقد كانت أمنيته الكبرى “أن يكون الجيل الجديد أفضل من جيلنا نحن، وأنا واثق بذلك”.

تميزت رحلته الدراسية بأنها مملوءة بالفن واللون والعطاء وقد تلقى أصول فن اللوحة والتشريح، وأيضاً برزت لديه القدرة المذهلة على رسم الجسد البشري بكل وضعياته وكل تفاصيله التشريحية متفوقاً بذلك على كل أقرانه وزملائه.. كما جمعه الإبداع مع الشاعر الكبير سليمان العيسى فكانا أيقونتين للإبداع الطفلي شعراً ولوناً وحياة لتخلدهما كتب وزارة التربية في تاريخ الفن والأدب السوري الحديث، كما أكدت رسومه أن الكاريكاتير لا يمكن أن يتفتح ويتطور خارج هموم الوطن والشعب فكان لهذا الفن تاريخه وفرسانه وشهداؤه.

أقام معارض عدة جالت العالم العربي استنصاراً فنيّاً وروحياً للقضية الفلسطينية.. وأيضاً شارك في المعارض الداخلية والخارجية كالمعرض الذي أقيم في كوبا سنة ١٩٧٨م ومعرض شخصي في بريفان- العاصمة الأرمينية.

ويعد الراحل ممتاز البحرة أهم رسامي الأطفال في سورية والوطن العربي مشاركاً سليمان العيسى لوحات الأطفال والفلاح والريف والنساء ومتلقفاً ملامح السوريين من حولها هاضماً إياها في ذاكرته البصرية، ومعيداً صياغتها عبر ريشته مميزاً الخطوط والألوان، وقد كان يرسم السوري الذي ينهض بأبنائه نحو المجد.. كان يرسمنا وعرائس الزيت والزعتر في حقائبنا إلى جانب كراسات الكتابة والرسم:

“باسم، رباب، ميسون، ومازن.. ولوحات قصائد سليمان العيسى.. ماما ماما بابا بابا، الأرنب، عمي منصور نجار، الخريف”.. وتتدفق كذكريات في وجدان كل سوري عاش حقبة الكتب المدرسية المذكورة والمحفوررة في وجداننا بماء من ذهب.

كانت رحلته المهمة والجميلة مع مجلة “أسامة ” حيث تغفو لوحاته على جدرانها وصفحاتها، وهو المؤسس لشخصية “أسامة” الطفل السوري الجميل وكذلك رسم” باسم” وحوله رفاقه الأطفال على الغلاف الأخير للعدد.

ومن شخصياته المحببة” أسامة، شنتير، ماجد، وسندباد، وقصص ألف ليلة وليلة”. واضحة الملمح والمعنى.. كما خدمت ريشته نصوصاً أدبية عالية المستوى لأدباء كبار.. وكان أعظم إبداعاته في الفن التشكيلي اللوحة البانورامية “ميسلون” التي رسمها على صرح الجندي المجهول في أعلى جبل قاسيون،

وقد اختار عزلة اختيارية أنهت عطاءاته ومسيرته الإبداعية وقضى أواخر عمره في دار السعادة في دمشق.. ممتاز البحرة لاتزال إلى اليوم وستبقى له مكانته بين أحبابه وطلابه ومريديه وزملائه فخلده رواد مجلة أسامة بريشتهم.

غادر الإبداع والحياة والجمال صباح يوم الإثنين ١٦ كانون الأول ٢٠١٧ عن عمر يناهز التاسعة والسبعين عاماً لتسقط دواة الحبر مع الريشة المعدنية وتنداح الألوان من سماء دمشق منطفئة برحيله شعلة الإبداع لمسيرة وفاء للون والشخوص استمرت ردحاً من الزمن.. ودّعه أصحابه بموكب تشييعه المهيب وكذلك الشعراء، ودعوه بقصائد مدح جميلة.. وسنختم مع بعض ما نظمه بيان الصفدي عن المبدع ممتاز البحرة:

“عمّي “ممتاز البحرة”

لوحته أحلى زهرة

ريشته شمس وحمام

جاءتنا من أرض الشام

أطفال فيها يبدون

لكن في الأول ميسون

“باسم” يمشي جنب” رباب”

لزيارة بعض الأصحاب”..

وهكذا ترجّل ممتاز البحرة تاركاً خلفه هذه الرائحة العطرة وهذا الرصيد الهائل من الإبداع الذي يجعلنا نحلق في عالم مثيرٍ وساحر.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار