قطاع الثروة الحيوانية تدهورٌ مستمر والمعالجة مراوحةٌ في المكان!
بادية الونوس
مجدداً ، تراجعت الثروة الحيوانية التي وصفها الخبراء بالثروة التي تعادل النفط الذي لا ينضب ، بنسبة 40%، ويعزو أصحاب الشأن هذا التراجع إلى ظروف الحرب ، حيث القتل والتدمير وكذلك دفع (الأتاوات) للعناصر المحتلة المسيطرة على الحواجز في المناطق الشرقية التي تتركز فيها تربيتها ، وتارة أخرى لارتفاع أسعار الأعلاف، الأمر الذي يفرض على المربين الاعتماد على مصادر ذاتية والبحث عن سبل لتأمين المستلزمات بأي طريقة كانت لأنها المصدر الوحيد لمعيشتهم .
في المقابل، يرى باحثون أن هذا الموضوع يحتاج إعادة نظر في السياسة الاقتصادية وإيجاد البدائل العلفية، بموازاة تقديم القروض والتسهيلات والرعاية البيطرية وغيرها من العوامل التي من شأنها تشجيع المربين على الاستمرار في تربية ماشيتهم.
في هذا السياق تسلّط ” تشرين” الضوء على هذا الموضوع من جهة الأسباب المؤثرة والحلول المقترحة للحفاظ على ما تبقى من تلك الثروة .
تراجعت للنصف !
يعد نقص المراعي في هذه الظروف هو المشكلة الأكبر التي تواجه مربي الأغنام في مختلف المناطق ، إذ كان في السابق يتم نقل الأغنام من منطقة لأخرى بهدف الرعي ، لكن اليوم هناك انعدام الأمن واستمرار المعارك في المنطقة الشرقية التي تتركز فيها تربية الأغنام ليأتي موضوع دفع الأتاوات للطرف المسيطر على الأرض التي يوجد عليها المربون ، إن كان المسيطر من ” المرتزقة الأتراك أو ق*س*د” ، والسبب الثاني ارتفاع أسعار الأعلاف والرعاية البيطرية ، الأمر الذي انعكس سلباً على هذه الثروة التي تراجعت بنسبة كبيرة .
خطورة التنقل !!
يحبس محمد فريد عيد (مربي أغنام ) أنفاسه عند نقل قطيعه من منطقة لأخرى ، بقصد البحث عن المراعي في منطقة المالكية يقول: أقطع عدداً من الحواجز ، منها ما يتبع للمرتزقة الأتراك أو للقوات الديمقراطية الكردية (ق*س*د ) التي تمنع دخول أي قطيع إلى الأراضي التي تقع تحت سيطرتها ، وهذا ما يجبرنا على دفع (الأتاوات) حسب عدد رؤوس القطيع لتصل القيمة الإجمالية إلى مبالغ كبيرة يجب على المربي دفعها ، ناهيك بدفع ضرائب كبيرة مقابل عبور السيارة التي تحمل الأعلاف والتبن . فعلى سبيل المثال ندفع مبلغ 150 ألفاً عن كل طن، وفي حالات كثيرة يجبروننا على العودة إلى مناطقنا رغم دفع تلك الأتاوات أيضاً .
ضريبة “حمارة ” الراعي !
من المفارقة أن دفع الأتاوات لم يقتصر على القطيع أو السيارات المحمّلة بالأعلاف، بل يمتد إلى “حمارة” : وحتى كلب الراعي !
يضيف أبو أحمد من ريف الحسكة : إن الأتاوات تفرض على حمارة الراعي وحتى على كلبه، ففي إحدى المرات وصل مجمل الأتاوات لتعبر “حمارة ” الراعي باتجاه ريف السلمية إلى مليون ليرة !
الأغنام تأكل بعضها !!
يؤكد دياب عبد الكريم رئيس اتحاد الفلاحين السابق في الحسكة لـ “تشرين ” أنه إضافة إلى دفع الضرائب مقابل عبورنا بالقطيع نحو المراعي، يأتي الارتفاع الكبير في أسعار الأعلاف والتبن والرعاية البيطرية وغيرها، ملخصاً مشهد تراجع الثروة الحيوانية بقوله 🙁 الأغنام تأكل بعضها) بمعنى؛ بات المربي يعمد إلى بيع جزء من قطيعه حتى يستطيع إطعام القطيع المتبقي، إذ يصل سعر الطن الواحد من التبن إلى مليون ونصف المليون ليرة بعد أن كان في السابق لا يتجاوز المئة ألف ليرة ، مبيناً أن قطيعه كان في السابق يصل لنحو خمسة آلاف رأس وتراجع في الوقت الحالي إلى النصف ، ناهيك بالجفاف الذي يعم المنطقة ، ما يعني أن الوضع مأسويّ على المربي .
تختلف الأسباب
في الداخل (ريفي محافظتي حمص وحماة) تختلف أسباب تراجع الثروة الحيوانية عن غيرها ، إذ تدور الأسباب حول ارتفاع أسعار الأعلاف أولاً .. يؤكد أبو حسين – مربي أبقار من منطقة الغاب أن ارتفاع الأسعار أدى إلى تناقص الثروة الحيوانية ، إذ وصل سعر طن الأعلاف إلى أرقام خيالية، مبيّناً أن خسارته اليومية تصل إلى أربعين ألف ليرة مقابل تربية أبقاره ، كما أن المردود المادي من بيع الحليب لا يعوّض التكاليف والتعب الذي يتكبده .
حسب الأرقام
رئيس مكتب الإحصاء والثروة الحيوانية في الاتحاد العام للفلاحين جزاع الجازع يؤكد لـ “تشرين ” أنه وفق إحصاءات 2021 تراجعت الثروة الحيوانية تراجعاً كبيراً ، إذ تراجع إجمالي أعداد الأغنام إلى أقل من 17 مليون رأس فقط ، في حين تراجع عدد الأبقار إلى حدوده الدنيا، وعزا ذلك إلى الأسباب المعروفة من ظروف الحرب و غيرها ، و يأتي موضوع محدودية دعم مؤسسة الأعلاف ، الأمر الذي يفرض على الجهات المعنية فتح دورات علفية جديدة وزيادة الكميات المخصصة من المقنن العلفي.
قطع خطوط التواصل
يعد الباحث في الشؤون الزراعية اسماعيل عيسى أن الحرب تقف في أول أسباب تراجع الثروة الحيوانية، ثم الجفاف الذي أصاب المنطقة وأدى إلى تدهور المراعي ، إضافة إلى أن الجهات المعنية لم تستطع طوال هذه السنوات حماية المراعي التي أنشأتها في فترات سابقة ، لذلك تم الاعتداء عليها من جميع الأطراف من المسلحين ومن الناس العاديين، ليأتي السبب الأهم وهو قطع خطوط التواصل ما بين الجزيرة (أي ما بين يمين الفرات وشماله ) ، ناهيك بالضرائب الكبيرة التي تقصم ظهر المربي وهذا وحده كافٍ لإجبار المربي على بيع قطيعه.
يؤكد الباحث عيسى أن لمؤسسة الأعلاف دورها السلبي، إذ لا يوجد استيراد للأعلاف ولا حتى زراعة لها ، ناهيك بالتلاعب في توزيع الحصص في مادة الأعلاف للمربين باعتبار أنه لا توجد أرقام حقيقية لأعداد الأغنام ، لذلك يصبح المربي عاجزاً تماماً عن تأمين استمرارية تربية ماشيته .
ويقترح في ختام حديثه أنه يجب إعادة النظر في الواقع الاقتصادي، وسياسة الجهات المعنية في هذا الموضوع ، فبلدنا زراعي، ويعتمد على الزراعة ، فهل يعقل أن يشتري الفلاح كيس السماد بمئة ألف ليرة ؟!!
سوء إدارة الموارد
الخبير التنموي أكرم عفيف يؤكد أن قطاع التربية الحيوانية ولاسيما الأبقار شهد تراجعاً كبيراً وكذلك الثروة الحيوانية في المنطقة الشرقية ليأتي غلاء الأعلاف وصعوبة تأمينها لارتباطها بسعر الصرف، والأهم غياب ثقافة التصنيع والاستهلاك و سوء إدارة الموارد، وهذا ما تتحمل مسؤوليته الجهات المعنية بشكل أو بآخر ، فكل تلك العوامل أدت لتراجع قطيع الأبقار، وأصبح المربي عاجزاً تماماً ، كما أن الأغلبية اتجهت لبيع أبقارها لعجزها عن تأمين مستلزمات تربيتها.
خطة تنموية
يؤكد الخبير عفيف أن الموضوع يحتاج تنظيم قطاع الإنتاج الأسري من خلال خطة تنموية تساعد المربي على تسويق منتجاته مع هامش ربحي معين ، ثم نعمل على البدائل العلفية، لافتاً إلى إطلاق مبادرة لشراء الحليب بأعلى سعر وتأمين الأعلاف بسعر أقل، وتسهيل نظام الإقراض لشراء الأبقار، والأهم إيجاد نظام تأميني للأبقار لتعويض المربي عن أي خسارة يتعرض لها ، والعمل على تصنيع الحليب في أماكن الإنتاج .
35 % دعم حكومي
تؤكد وزارة الزراعة في تصريحات لها تراجع أعداد الثروة الحيوانية بنسبة 40% ، إذ بلغت قيمة الأضرار لهذا القطاع خلال الحرب 5.5 مليارات دولار ، مشيرة إلى أن هذا القطاع لا يزال قائماً لاتباع الحكومة جملة من الإجراءات لترميم قطعان الثروة الحيوانية ، منها استيراد الأبقار وتوزيعها على المربين بدعم حكومي يصل لنحو 35% ، إضافة إلى إنشاء مراكز ومحطات لإنتاج الأغنام من قبل الهيئة العامة للبحوث العلمية وتوزيعها على المربين عن طريق مشروع تطوير الثروة الحيوانية ، مع العمل على توزيع قروض عينية على المربين وتطبيق برامج التقنيات الحديثة في إنتاج الأعلاف ، وغيرها من الخطط التي من شأنها تشجيع المربين على الاستمرارية في تربية ماشيتهم .