لا تترددوا في تعزيل “سقيفة” مسوّدات النصوص!

زيد قطريب:

تعزيل سقيفة مسوّدات النصوص أصبح ضرورياً، فلا تتردوا في التخلص من أجنّة الكتابة المشوّهة، فحبال السرة انقطعت مذ وضعتم السلّم وصعدتم إلى السقيفة وركنتوها في الكراتين على أمل العودة إليها مرة أخرى!. ولأن الولادات لا تحدث بالتقسيط، فإن تلك الكائنات غير المكتملة من شأنها أن تعرقل الطريق وتتحول إلى عبء ثقيل كأنكم تحملون تلك السقيفة على رؤوسكم من دون أن تتفرغوا لها يوماً.

المحللون النفسيون، يقولون إن المبدعين مختلون عقلياً، وفي الحقيقة، فإن هذا الاختلال لم يكن إلّا بسبب هدم السقيفة عند معظمهم، في حين يحتفظ بها بقية البشر العاديين الذين أصبحت المسوّدات عندهم أكثر من المبيضّات، وأولئك معذورون طبعاً، فهم يعيشون على الآمال غير المكتملة التي تدفعهم دائماً للانتظار والصبر على الحياة التي لم تتحقق وهي بمثابة النصوص أيضاً.

كان (موزارت) لا يعشق المسودات، فهو يتخيل المقطوعات الموسيقية والعازفين، ثم يصبّ تلك المؤلفات على الورق دفعة واحدة، في حين كان (بيتهوفن) يغرق بالمسودات التي لا تنتظر كثيراً حتى تولد من دفتره الصغير المليء بالخرابيش غير المفهومة التي حيّرت علماء النفس بعد رحيله فكانوا يتساءلون كيف كان يصنع منها سيمفونيات عظيمة؟.

يموت معظم الكتاب، وسقيفاتهم تطفح بالمسوّدات التي يتم دفنها لاحقاً، من دون أن يتمكن الورثة من فك الطلاسم وحل ألغاز الأفكار المشتتة التي تركها الكاتب يوماً على أمل الرجوع لإصلاحها وترميمها لتصبح أجنة مكتملة جاهزة للانطلاق نحو الضوء. النصوص المتروكة على السقيفة ليست سوى أطفال يتامى يَدْشرون في الشوارع عندما يعلن عن موت الأب، ويبيع الورثة مكتبته للبسطات بالكيلو!.

من يدري، ربما يكمن في المسوّدات، أعظم النصوص وأشدها احترافاً ونبلاً ومهارة، لهذا تبدو فكرة تعزيل السقيفة ملحة جداً، لأنها تضع الكاتب أمام ضرورة اتخاذ القرار الحاسم بإبادتها أو إعادة النظر فيها على جناح السرعة قبل أن تجف وتصبح تالفة عصيّةً على الخلق من جديد.

تلك المشكلة بالتأكيد، كانت وراء رحيل كثير من الكتاب من دون أن يتركوا أثراً مطبوعاً، ورغم احتمال وجود العبثية لديهم في التعامل مع الكتابة أو الانشغال بوهم الخلاص الفردي، إلّا أن ما هو موجود بالقوة لن يأخذ مكانته إلّا إذا انتقل للفعل، والفعل هنا هو أن ينزل عن السقيفة ويستقر على طاولة المكاشفات ليستسلم لدواة الحبر أو أصابع لوحة المفاتيح.

هدّموا سقيفاتكم أيها السادة، انكشوا الكراكيب التي تراكم عليها العفن، ثم ألقوها في حاوية النفايات بلا أسف أو تردد، فالحياة لن تستمر مئة عام من الخرابيش والألغاز.

وإن كنتم تعتقدون أنكم بيتهوفن في تأليف السيمفونيات من الطلاسم، ففكّوا الأحجيات فوراً وضعوا الحلول تحت دائرة الضوء، وإلّا فالحاويات هي المكان اللائق لكل المؤجلات التي قلنا إنها أجنة مشوهة ستنشر الالتهابات في جسد السقيفة ثم يمتد المرض إلى غرفة المعيشة والصالون!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
مادورو: انتخابات الرئاسة المقبلة ستحدد مستقبل فنزويلا قضية الإعاقة جزء من السياسة الوطنية للدولة تجاه المواطنين.. الوزير المنجد: المرسوم رقم 19يطور البيئة المؤسساتية المسؤولة عن ملف الإعاقة  135 ألف طفل مستهدف بالجولة الثانية لحملة اللقاح في حمص الوزير ابراهيم يبحث مع القائم بالأعمال بالإنابة في السفارة السودانية بدمشق علاقات التعاون العلمي والبحثي إذا كبر ابنك "خاويه" وإن كبر أبوك عليك أن ترعاه المنطقة بعد العدوان الإسرائيلي على الحديدة.. ترقب وانتظار والكيان باستنفار كامل وواشنطن تنأى تجنباً لحرب لا تريدها حالياً على رأسها مشروع إنتاج تعبئة وتغليف الأدوية السرطانية.. انطلاقة جديدة لـ«تاميكو» تبدأ بالإنتاج وتنتهي بالتسويق وزير النفط يفتتح مركز خدمات شركة محروقات بدمشق رئاسيات أميركا.. ترامب يضرب تحت الحزام و«الديمقراطيون» على رجل واحدة انتظاراً لانسحاب بايدن «سي إن إن»: الميدان وترامب يُجبران نظام زيلينسكي على إعادة الحسابات و«تدوير» المفاوضات مع روسيا