غياب نص الكاتب المسرحي السوري عن المسابقات والخشبة!
نضال بشارة:
ربما يتوهم بعض المخرجين أن النصوص المترجمة فقط هي الأفضل، فيختارونها للتجسيد على الخشبة، وليس من عاقل طبعاً يرفض تجسيدها، لكن لا أن تكون هي، وهي فقط خياراتهم الدائمة.
لأن هذا الخيار الدائم يجعلنا ننفر كمشاهدين من تكرار بعض المخرجين تجسيد النصوص ذاتها، ومن أجيال مختلفة، وفي محافظات عدة.
فغياب أو تغييب النصوص العربية، والسورية ضمناً، يُفيد أن للمشكلة وجهاً آخر، هو جهل بعض المخرجين بالنصوص التي أبدعها الكتّاب العرب، بدءاً من كتّاب مدينتهم.. فما الذي يمنعهم من تجسيد بعض النصوص الجيدة والقوية بناءً درامياً كنص “الملك هو الملك”، وبقية نصوص الراحل سعد الله ونوس، ونصوص المسرحي فرحان بلبل والمسرحي عبد الفتاح قلعة جي، ونصوص الأديبين الراحلين وليد إخلاصي، ووليد فاضل، وغيرهم من المسرحيين العرب، وتفضيل نصوص مترجمة قُدمت عشرات المرات؟!
صحيح أن بعض نصوص الكتاب العرب تم تجسيدها لكن ليس بمقدار ما تم تجسيد النصوص المترجمة. فنص مثل “الملك هو الملك” يظل طازجاً بفكرته، والمشاهدة له ستتم كأول مرة، لثراء النص فكرياً ودرامياً. لكن ماذا يغرينا كمتفرجين طحنتنا الحرب بنص “كلهم أبنائي” للكاتب “آرثر ميلر” الذي قدمه أحد المخرجين الأكاديميين في حمص؟ وهو لم يمتعنا إلاّ بأداء الممثلين في مشاهد محددة، ولم يلامسنا العرض بفكرته وطروحاته، لإخفاقٍ في الإعداد، وهذا لا يعني ألا وجود لمخرجين يجيدون مسألة الإعداد، بغض النظر إن كانت مقولة العرض قد مات حتى في بيئته الأصلية، فثمة نصوص لا تزال مقولاتها طازجة، يحسن بعض من يعدّها حتى لو لم تتم تبيئة النص، كما يفعل في حمص، إلى حدٍّ معقول، المخرجان زين العابدين طيار، وفهد الرحمون، وكما كان يفعل المسرحي الراحل محمد بري العواني.
نظن أن الكرة في ملعب مديرية المسارح والموسيقا التي تنتج للمسرح القومي عروضه في أكثر من مدينة، فهي من يفترض، بما أن المشكلة لا تخص عروض الفرق المسرحية بحمص فقط، أن تشجّع وتحرّض على اعتماد النصوص العربية والسورية ضمناً، ونزعم أن رفع مكافأة المخرجين ربما يحدُّ من اعتمادهم على النصوص الأجنبية التي يدّعون إعدادها، ليكسبوا أجراً إضافياً، بما أن مكافأة الإخراج لا تزال غير مجزية لجهدهم من دون أن ننسى الإشارة إلى أن الإعداد لا يقوم بتبيئة النص وتعريب الأسماء، بحجج الرقابة فيظل النص بعيداً عن همومنا وقضايانا، ويكتفي فقط بحذف بعض الشخصيات وبعض الحوارات، ما يؤثّر أحياناً على مقولة العرض فيصعب التواصل معه من المتفرجين، وفي ظل ذلك تجد أن النصوص ذاتها يعاد الاشتغال عليها في أكثر من محافظة، وكأن مديرية المسارح يهمها أولاً النصوص التي تخلو من أهم مشاكل الصراع الثلاثة في حياة الإنسان (الدين، الجنس، السياسة)، التي لو تم الاشتغال عليها لفتحت آفاقاً رحبة في تقنيات العرض وفنونه.. والملاحظ أيضاً أن جائزة النص المسرحي تغيب عن مسابقة وزارة الثقافة التي تنظمها سنوياً للرواية والترجمة والشعر والقصص واللوحات الموجّهة للطفل.! فلماذا لا توجد مسابقة بمراتب ثلاث على غرار ما أشرنا إليه، تحمل اسم “أبو خليل القباني”؟.
ليس أخيراً، لعل مشكلة غياب النص قد تفاقمت في السنوات الأخيرة، بسبب رحيل بعض الكوادر عن دنيانا وبسبب هجرة بعضهم الآخر، ورغم كل الدعم الذي تقدمه مديرية المسارح والموسيقا في دمشق للمسرح القومي في المدن التي فيها فروع له، فمن بقي يعمل في ظل الظروف المعيشية المتردية، لا تستطيع أصلاً أن تقول لهم سوى يعطيكم العافية أيها الأحبة.