الذائقة حبة بطاطا يجري إصلاحها في كراج السيارات!
زيد قطريب:
المسطرة النقدية لا تصلح هنا، فالناقد التشكيلي المأخوذ بذائقته الشخصية في تقييم العمل، سيتصرف مثل قارئات الأبراج عندما يفكك اللوحة ويربطها بطالع الحظ لكوكب زحل أو الثروة في جوبيتر. عملية تشبه قراءة الكف ولا علاقة لها بعلم الجمال أو تاريخ الفن. كل شيء سيصحّ في النص هذا النقدي النادر، بدءاً من عبارات “الانسكاب الزئبقي لتلوينات المشاعر” إلى “استكناه المعاني وراء جداريات الصمت المترهل”. إنه نصّ الكليشة، والدمغة المكررة على جميع التجارب حتى لو كانت من مدارس مختلفة. نص سريالي لا يستطيع حتى سلفادور دالي فك طلاسمه.
نص الطلاسم هذا، يحتاج نصاً موازياً يشرحه، وبالتالي سنكون فنياً أمام ثلاثة نصوص هي اللوحة كنص، ونص نقد اللوحة، ونص شرح نص نقد اللوحة! في حين تكفي جملة “يا الله” التي يقولها المشاهد العادي، لنتأكد أن هذه اللوحة جميلة بالفعل.
لن يكون غريباً أن يبيع المصور “كيفن أبوش” صورة حبة البطاطا بمليون يورو لأحد جامعي التحف الخبراء! فالذائقة التالفة ستتكفل بدفع المبلغ مثلما تكفلت بكتابة نص هشّ يُكتب إلى جانب نص الطلاسم الذي أشرنا إليه، فيصبح المشهد ذائقة تشبه حبة البطاطا يجري إصلاحها في كراج للسيارات! القضية غير منطقية وغير مترابطة، لكنها تحدث مثلما حصل عندما باع تاجر عقارات شققاً للزبائن في المريخ!
القضية تبدو مرتبطة بالعمل الإبداعي نفسه، فعلى الأغلب، تعاني اللوحة الاغتراب والتقليد، وبالتالي هي منقطعة الجذور ويصعب اقتفاء أثرها جمالياً لأنها مستوردة من مخيلات أوروبية أو أميركية، أي مستندة إلى جماليات لا يمتلكها فنانو البيئات الأخرى الذين أخذوا بموضة التجريد مثلاً، فحرقوا المراحل كي يثبتوا أنهم عالميون. في هذا الوصف، سيكون النقد متورطاً مع العمل الفني، وبالتالي لن يجد مستنداته التاريخية المحلية لأن اللوحة مقلدة ولا تختلف عن لوحة فنان أوروبي. لهذا لن يكون أمام الناقد إلّا خياران، إما كتابة نص الطلاسم، أو نص الهشاشة والإنشاء!
لإثبات صحة ما ذهبنا إليه، سنذكّر بموقف النقاد والفنانين الغربيين، الذين قالوا إن الخصوصية العربية في الرسم، تجلت بشكل أساسي في الحروفية وما تبقى فهو في معظمه تقليد للفن في الغرب. من غير الممكن لمهارات الرسم أن تصنع فناً، فهذا أمر تنجزه كاميرات الديجيتال بكل بساطة، لذلك فإن قطيعة الفنان عن جذوره المحلية وجمالياته الخاصة ستنتج لوحة منفصلة عن الواقع، مثلما الحال بالنسبة للناقد الذي سينجر وراء اللوحة فيكتب نصاً مصاباً بالزهايمر لأنه لا يستخدم قواعد جمالية في تفكيك لوحة تنتمي إلى الجماليات في ثقافات أخرى.
ربما يحتاج قارئ هذه الكتابة إلى خريطة جينية تشرح فحواها، لكننا هنا نكتب نصاً رابعاً يمكن تسميته حسب التصنيف الذي قلناه في البداية، إنه كتابة تشرح النص الذي كتب عن النص الذي فكك نص اللوحة!
من الواضح أننا نحتاج ضربة حظ من كوكب زحل، كي نفهم سلسلة النصوص التي لن تتوقف عن التكاثر كي تشرح بعضها. مثلما هو الحال في حبة البطاطا التي بيعت كتحفة فنية بمليون يورو، وهي في نظرنا لا تصلح سوى للتقشير والقلي!.