معادلة مستحيلة الصرف

عبد المنعم علي عيسى:

تخلص متابعة السياسات التركية التي انتهجها رجب طيب أردوغان منذ وصوله للسلطة في أنقرة قبل نحو عقدين من الزمن إلى نتيجة مفادها أن الرجل ذو طموحات توسعية وهو يسعى من خلالها للخروج من نطاق الدور الإقليمي إلى أن يصبح قوة عالمية ، وسبيله في ذاك ثالوث يقوم على الإيديولوجيا ، التي جاءت عنده مزيجاً من ” الإسلامية ” و ” العثمنة ” ، وهي ، أي تلك الإيديولوجيا ، من النوع الذي يسير في الطريق النقيض لتيار العلمانية النامي في الرحم التركية قبل نحو ثمانية عقود ما يجعله أقل قدرة في التأثير ، ثم النهج السياسي ، الذي يقوم على سياسة مسك العصا من منتصفها حتى في أعنف الصراعات ، لنراه يفعل في خضم الصراع الأوكراني المحتدم منذ نحو أربعة أشهر ، الأمر الذي وضع أنقرة أمام تحديات لم يعد ممكناً معها المزاوجة ما بين العلاقة الناشئة مع ” الأطلسي ” منذ العام 1952 ، ونظيرتها مع الجوار الروسي التي شهدت منعطفاً مهماً منذ صيف العام 2016 ، أما ثالثها فهو يقوم على استعداد للانقلاب على كل تلك الأسس في كل لحظة إذا ما اقتضت المتغيرات حدوث فعل من هذا النوع ، على شاكلة ما حصل مؤخراً عندما ذهب أردوغان إلى ” تهميش ” علاقاته بالأفرع الإخوانية في المنطقة وصولاً إلى التطبيع مع دولة الاحتلال .

من الجائز القول إن ذلك الثالوث كان قد نجح جزئياً في فرض نوع من الاستقرار السياسي للداخل التركي على امتداد المرحلة المنصرمة على الرغم من الزلازل التي شهدها محيط هذا الأخير ولمدة تزيد على عقد من الزمن ، لكن بقيت نقاط الضعف المزمنة والتي يصعب حلها دونما حل ، والأخيرة ناجمة أصلاً عن التبعية المطلقة للغرب بشقيها الجيوسياسي والاقتصادي ، والتي ظل الأخير ، وسيظل ، يستخدمها كلما فرضت حالة الاحتياج رفع منسوب الضبط في الإيقاع التركي لكي يزداد تناغماً مع السياسات التي ينتهجها هذا الأخير ، حيث من الممكن الاستدلال على تلك النمطية في العلاقات من خلال الانهيارات التي شهدها الاقتصاد التركي منذ مطلع العام والتي كانت الذروة فيها قد تمثلت بخسارة الليرة التركية لثلث قيمتها .

مع اقتراب موعد الانتخابات التي ستشهدها تركيا في حزيران من العام القادم ، والتي يلهث رجب طيب أردوغان لكسبها بكل الوسائل المتاحة في ظل استطلاعات تشير إلى أن حزبه يحظى بتأييد 31 % من الشارع التركي ، يضيق هامش المناورة لدى هذا الأخير فالسياسات الزئبقية لا تجدي نفعاً في الحالات العصيبة أو في المنعطفات المصيرية كالتي يمر بها حكم ” العدالة والتنمية ” ، و تحسين عجلة الاقتصاد تقتضي انزياحات كبرى في المواقف مما لا يستطيع أردوغان المضي فيها لاعتبارات تتعلق بالجغرافيا وكذا تتعلق بالحاجة إلى موسكو في ملفي ” اللاجئين السوريين ” و مواجهة ” تهديد قسد ” اللذين يراهن عليهما أردوغان كرافعة قادرة على رفع أسهمه الداخلية وصولاً للفوز بالسبق .

بمرور الوقت ، الذي بات هامشه يضيق ، سيتضح للشارع التركي أن شعار ” صفر مشاكل “مع الجوار الذي أطلقه حزب ” العدالة والتنمية ” غداة وصوله للسلطة في أنقرة هو شعار خادع ، و أن مشاريع ذلك الحزب لا يمكن لها أن تعتاش إلا على المزيد منها لأسباب بنيوية ، وأخرى تتعلق بتركيبة الداخل التركي وصولاً إلى علاقات هذا الأخير بالمحيطين الإقليمي والدولي ، والتكشف إياه سوف يضيف عاملاً آخر لتزداد معادلة الإمساك بالسلطة تعقيداً عند أردوغان الذي لن يجد سبيلاً لتعديلها سوى الهروب إلى الأمام دفعاً نحو الانفجار .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار