“الابتسامة” بخمسة ملايين و”الزرعة” بمليون .. أجور أطباء الأسنان أشد وطأة من الألم

غيداء حسن

لم يعد مستغرباً أن يصبح لكل شيء سوقه وبازاراته هذه الأيام , فحتى المهن الطبية النبيلة تحولت عند البعض إلى تجارة, ومهنة طب الأسنان إحداها حيث ارتفعت أجور بعض الأطباء بشكل كبير , بل متفاوت فيما بينهم , فلا تسعيرة موحدة تجمعهم , وكل يتقاضى حسب مزاجه و تصنيف منطقة عيادته واسمه ونوع زبائنه , كل ذلك يحدث في غياب أي دور رقابي للجهات المعنية , ونقابة أطباء الأسنان إحداها.
المواطنون ترهقهم التكاليف , وقد يضطر البعض لإجراء معالجات بسيطة لتسكين الألم فقط , لكن بقية المعالجات تعجز الأكثرية عن دفع تكاليفها , كالحشوات والتلبيس وتصنيع الجسور , وهذه تخضع لتسعيرات متباينة بين الأطباء حسب المواد المستخدمة إن كانت خزفاً أو “زيركون”, ناهيك باختلاف المواد والمستلزمات المستخدمة , التي قد لا يستطيع المريض تمييز جودتها وأفضليتها عن غيرها .

تقاذف مسؤوليات
طبعاً كالعادة في تقاذف المسؤوليات يتذرع الأطباء بارتفاع أسعار المستلزمات وانقطاعات الكهرباء المتكررة، وعدم القدرة على تأمين وقود للمولدات، تضاف إليها أجور المخبريين, والأخيرون يعتبرون أن الطبيب يتقاضى الجزء الأكبر من “الكعكة ” على الرغم من ارتفاع أسعار المواد التي يستخدمونها في مخابرهم .
وبين الأطباء والمخبريين يبقى المواطن في أغلب الأحيان الحلقة الأضعف و عليه أن يدفع أو يلجأ إلى ترتيب أولوياته في الاقتصار على إجراء المعالجات البسيطة فقط والتي لا تحتمل التأجيل .

هل ستكفي ميزانية؟
في استطلاع “تشرين” حول الأجور التي يتقاضاها أطباء الأسنان من المرضى في عدد من المناطق بدمشق وريفها تبين أن تلك الأجور لم تختلف فيما بينهم كثيراً , فأقلها يتجاوز عشرات الآلاف , إذ يتراوح قلع السن بين 20 إلى 50 ألف ليرة ,وحسب أحد الأطباء يصل بين 150 إلى 200 ألف ليرة في حال كان القلع جراحياً , أما سحب العصب والحشوة فتكاليفهما بين 50 إلى 100 ألف ليرة , و “التلبيس” فحسب النوع المستخدم إن كان خزفاً أو “زيركون ” , فالخزف بحدود 85 ألفاً والزيركون 150 ألفاً ويصل عند أحدهم إلى 350 ألفاً . وفي المناطق الشعبية تكلّف السن 110 آلاف ليرة لسحب العصب والتلبيس والحشوة . طبعاً هذه الأسعار محسوبة على السن الواحدة فكيف لو احتاج المريض لمعالجة وتلبيس أكثر من سن , هل ستكفيه ميزانية؟ !

الابتسامة بخمسة ملايين
“الابتسامة” كما يسمونها أو تجميل الأسنان لها زبائنها من شرائح معينة , حيث يتبارى الأطباء فيما بينهم برفع أسعار تكلفتها حسب النوع المستخدم, ونوعية الزبائن وقدرة الطبيب على الإقناع , إذ تبدأ بحوالي ثلاثة ملايين وتصل إلى خمسة ملايين في حال تم تجميل عشر أسنان فقط للفك العلوي ومثلها للفك السفلي ,حيث تكلف السن الواحدة عند بعض الأطباء 250 ألفاً , فما بالنا إذا تم احتسابها على عدد الأسنان كلها ؟

تخضع لسعر الصرف
أما “الزرعات” فأغلب أنواعها يقارب المليون ليرة للسن الواحدة ويتجاوز ذلك حسب نوعها ومصدرها ,لكونها تخضع لسعر الصرف , تضاف إليها أجور الطبيب ومستلزماته !

وعن رأي النقابة في الأجور التي يتقاضاها أطباء الأسنان وغياب دورها في ضبطهم يقول نقيب أطباء الأسنان في سورية الدكتور زكريا الباشا لـ “تشرين” : المشكلة تكمن في تسعيرة وزارة الصحة، فهي لم تتغير منذ عام 2013 على الرغم من تغير الظروف وارتفاع أسعار ومستلزمات عمل الأطباء أضعافاً مضاعفة عما كانت عليه سابقاً , فعلى سبيل المثال تكلفة جهاز كامل من دون قلع أسنان أي ” طقم أسنان” حسب التسعيرة المذكورة محدد بـ 6875 ليرة في الحد الأدنى و9625 في الحد الأعلى وهناك شركات تأمين تأخذ الحد الأدنى بالنسبة للموظفين , وفي المقابل يتقاضى المخبر أو فنيّ الأسنان من الطبيب لقاء تصنيعه 150 إلى 200 ألف ليرة , هذا عدا التكاليف وأجور العيادة وضرائب المالية والخدمات وأجور التمريض التي يجب وضعها بالحسبان . فكيف ستطالب النقابة الطبيب بالتسعيرة الموضوعة أو تلزمه بأجور معينة ؟ ومن أراد أن يطاع فليطلب المستطاع !
وبيّن الباشا وجود لجان مشتركة لدراسة التسعيرة, حيث عقد مؤخراً اجتماع للنقابة مع وزارة الصحة ومن ضمن الأمور التي تمت مناقشتها تعرفة أطباء الأسنان ووضع تسعيرة منصفة للطبيب والمريض معاً , وعندما تصدر تلك التعرفة يمكن إلزام الطبيب بها, مشيراً إلى أن الأجور حالياً يتم الاتفاق عليها بين الطبيب والمريض وقد تم توزيع دفاتر عقد على جميع الأطباء في حال رغب المريض, يتم توثيق العقد بين الطرفين وتحدد فيه نوعية المعالجة والأجور المترتبة على المريض , ولكن زيارات المريض إلى طبيب الأسنان تكون دورية ومتعددة وأحياناً تستمر أشهراً لذلك تصبح هناك صداقة بينهما فيكون إبرام العقد محرجاً .

كما لفت إلى أعباء تترتب على الأطباء أحياناً من تأخر المريض أو عدم عودته ومتابعته للمعالجة بعد أن يكون الطبيب أجرى له بعضاً من مراحلها .
وعن آلية معالجة الشكاوى المتعلقة بالأجور في حال ورودها أكد نقيب أطباء الأسنان أن هناك لجاناً في المحافظات لفصل الأتعاب , حيث يتقدم الشاكي بشكواه إلى فرع النقابة بالمحافظة المعنية وتعرض الشكوى على اللجنة بحضور الطرفين والاستماع لرأيهما , فإذا كان للمريض حق يأخذه عن طريق النقابة بعد التحقق .

لا موعد لصدورها
بالاستفسار عن موعد صدور التسعيرة أكدت وزراة الصحة أن الموضوع قيد الدراسة التي ستأخذ بالحسبان أن تكون التسعيرة منصفة للطبيب والمريض معاً .
الجدير بالذكر أن بعض الأطباء طالبوا بأن يتم استيراد المستلزمات عن طريق النقابة وأن تأخذ دورها في هذا المجال بما ينعكس انخفاضاً في أسعار مستلزمات الأطباء , وبالتالي ينعكس إيجاباً على المريض في تخفيض أجور معالجاته .
أخيراً
إذا كان الأطباء والمخبريون مغبونين و المواطنون مثلهم. فمن يتحمل نتيجة ما يحدث من فلتان في الأجور بما يحول المهن الطبية إلى تجارة خالصة؟
من هنا صار الإسراع بإصدار تسعيرة ملزمة لأطباء الأسنان ضرورة أكثر من ملحة وكفى دراسة وتمحيصاً وتسويفاً لسنوات وسنوات لاتخاذ قرار ، بينما الغلاء يستشري ويضرب أطنابه!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية مؤتمر "كوب 29" يعكس عدم التوازن في الأولويات العالمية.. 300 مليار دولار.. تعهدات بمواجهة تغير المناخ تقل عن مشتريات مستحضرات التجميل ميدان حاكم سيلزم «إسرائيل» بالتفاوض على قاعدة «لبنان هنا ليبقى».. بوريل في ‏بيروت بمهمة أوروبية أم إسرائيلية؟ إنجاز طبي مذهل.. عملية زرع رئتين بتقنية الروبوت مركز المصالحة الروسي يُقدم مساعدات طبيّة وصحيّة لمصلحة المركز الصحي في حطلة القوات الروسية تحسن تموضعها على عدة محاور.. وبيسكوف: المواجهة الحالية يثيرها الغرب