ينابيع الدريكيش .. معاناة مع الصرف الصحي منذ عشرات السنين والمعالجة ما زالت قاصرة
الدريكيش المدينة التي ذاع صيتها منذ عقود بينابيعها المتدفقة ومياهها العذبة، يشوبها اليوم التلوث من كل حدب وصوب، فمع كل شتاء تفيض مخلفات الصرف الصحي فتلوث المياه الجوفية وتنشر الأمراض وكما هو معروف فإن أغلب سكان المنطقة يعتمدون على مياه الينابيع للشرب، إضافة إلى أن مئات الأسر ضمن مدن المحافظة تشتري مياه الشرب من السيارات الجوالة المعبأة من ينابيع منطقة الدريكيش .
منذ حوالي شهر ومع الأمطار الغزيرة التي شهدتها المنطقة، عاد التلوث من جديد للمياه الجوفية وأصيب عدد من السكان بمرض التهاب الكبد الوبائي وتوجهت أصابع الاتهام مباشرة لمياه الشرب، استنفرت الجهات المعنية في محافظة طرطوس وأخذت العينات وتوصلت إلى نتائج ولكن ماذا بعد؟ وهل من إجراءات حقيقية على أرض الواقع لإنهاء هذه المأساة؟
نعاني منذ عشرات السنين
يعاني سكان منطقة الدريكيش من تلوث الصرف الصحي منذ عشرات السنين، كما يشرحون في شكواهم لـ ” تشرين ” فالجور الفنية المكشوفة والممتدة في الجهة الغربية من المدينة ابتداء من معمل الحرير ومروراً بأحياء المدينة، إضافة لتمديدات الصرف الصحي المهترئة تسبب كارثة حقيقة تتكرر مع كل شتاء، حيث تفيض مياه الصرف الصحي وتصل لمياه الينابيع الغنية بها منطقة الدريكيش والمصدر الرئيسي لمياه الشرب لأغلب السكان، يساعدها على ذلك الطبيعة الجبلية ذات الانحدار الكبير ، إضافة إلى معاناة السكان مع بداية موسم عصر الزيتون ووصول مياه الجفت إلى الينابيع ، هذه العوامل مجتمعة أدت لإصابة السكان بالأمراض وآخرها التهاب الكبد الوبائي، وعندما يأتي الصيف تتراجع نسب التلوث والإصابات وينتهي الموضوع وكأن شيئاً لم يكن.
من هنا يطالب السكان يإيجاد حلول جذرية من خلال إنشاء محطات معالجة بعيدة عن مصادر المياه وصيانة شبكة الصرف الصحي المهترئة داخل مدينة الدريكيش وليس الاكتفاء بأخذ العينات ووضع المقترحات من قبل الجهات المعنية كما يحدث كل عام .
التلوث الموجود لا يسبب التهاب الكبد
مدير الموارد المائية في طرطوس بالتكليف المهندس محمد محرز يقول لـ”تشرين ” : قام عناصر مراقبة المياه في المديرية بجولة ميدانية على كافة الينابيع والمصادر المائية المستخدمة لمياه الشرب عندما علمنا بحالات الإصابة في منطقة الدريكيش وتم قطف مجموعة كبيرة من عينات المياه من الينابيع الموجودة في المنطقة ومحيطها وإجراء التحاليل عليها في مخبر المديرية، وبينت النتائج أن جميع مصادر المياه الموجودة صالحة للشرب من النواحي الفيزيائية والكيمائية، حسب المواصفة القياسية السورية مع ملاحظة ارتفاع مؤشر عدد العصيات البرازية لبعض المصادر المائية وهي محدودة ومعروفة إلا أنها لا ترتقي إلى مستوى الإصابة بالتهاب الكبد الفيروسي، ولاسيما أنها بعيدة نسبياً عن مصادر التلوث.
وأشار محرز إلى أنه تم وضع بعض الاقتراحات حول ضرورة حماية المصادر المائية المستثمرة لأغراض الشرب من ملوثات الصرف الصحي والتشدد في مراقبة إجراءات تعقيم البيدونات المستخدمة لمياه الشرب وإلزام المشرفين على الخزانات المائية التي توزع مياهها بالسيارات الجوالة بتعقيم خزاناتها المائية يومياً تحت رقابة الجهات المعنية، مع كتابة معلومات المصدر المائي على البيدونات، إضافة إلى تعقيم خزانات المدارس بشكل يومي من قبل الجهات المعنية ، ونوه بأن مراقبة جودة مياه الينابيع في المحافظة وحمايتها من التلوث تحتاج إلى تضافر كافة الجهود والخبرات من الجهات ذات الصلة بالمحافظة .
تسع عينات مخالفة
من جهتها أكدت مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك أنها تعمل على مراقبة السيارات الجوالة التي تبيع مياه الشرب، وأشار رئيس دائرة حماية المستهلك نديم علوش إلى أنه تم سحب /11/ عينة من بيدونات في سيارات جوالة بتاريخ 1/3/2022 وأظهرت النتائج أن تسع عينات مخالفة واثنتين مطابقتان، وكذلك تم سحب /20/ عينة من قبل لجنة مشتركة بين “الموارد المائية” والتجارة الداخلية، وبيّنت مؤشرات التلوث حالياً للمصادر المائية المقاسة بأنها دون مستوى الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي مع ملاحظة ارتفاع مؤشر العصيات البرازية في مياه بعض المصادر المائية في جبل النبي متّى ، وتم التوصل إلى بعض التوصيات ومنها ضرورة تعقيم المياه والالتزام بتعقيم خزانات المياه من قبل المشرفين وتنظيف خزانات المدارس وتعقيمها بشكل يومي .
صيانة مستمرة
رئيس مجلس مدينة الدريكيش المهندس سامي سويدان يبين أن شبكة الصرف الصحي ضمن قطاع المدينة جيدة وتتم صيانتها بشكل مستمر وبلغت قيمة صيانة شبكات الصرف الصحي خلال العام الماضي /40/ مليون ليرة ، مؤكداً عدم وجود أي بؤر تلوث ناتجة عن شبكات الصرف الصحي بقطاع مدينة الدريكيش.
ليست مدرجة بخطة المراقبة
مدير البيئة في طرطوس الدكتور علي داود بيّن أن المديرية تعمل وبالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة على مراقبة مصادر المياه الجوفية ( الينابيع) في المحافظة في حال ورود شكوى أو في حال كانت هذه الينابيع مدرجة ضمن خطة المديرية ( وفق الإمكانات المتاحة )، حيث يتم قطف العينات من هذه الينابيع وتحليلها كيميائياً وجرثومياً وفيزيائياً في مخبر المديرية ومخاطبة الجهات المعنية بالمحافظة في حال وجود مخالفة للمواصفات القياسية السورية حفاظاً على البيئة والصحة، أما فيما يتعلق بمنطقة الدريكيش فهي غير مدرجة ضمن خطة المديرية للمراقبة الدورية ضمن هذا الربع من العام ، ويتم إدراجها ضمن خطة المراقبة وفق الإمكانات المتاحة .
حماية السد من التلوث
لحماية سد الدريكيش من التلوث بيّن المهندس منصور منصور مدير الصرف الصحي بطرطوس أنه يتم حالياً تنفيذ محطة معالجة القليعه الدلبه بمدينة الدريكيش وقد وصلت الأعمال البيتونية إلى نهايتها في المحطة وتم الانتهاء من خط حماية السد وهو قيد الاستلام الأولي، كذلك تم التعاقد من قبل الشركة المنفذة الشركة العامة للبناء والتعمير على تركيب التجهيزات، مع العلم أن التجهيزات موجودة في مستودعات الشركة العامة للبناء ، كذلك تم التعاقد مع الشركة العامة للبناء والتعمير من أجل تأهيل المحور الإقليمي الواصل إلى المحطة وهو قيد التصديق حالياً ، وأشار منصور إلى وجود محطات أخرى سيتم المباشرة فيها في حال تأمين الاعتمادات اللازمة لها وهي قيد المتابعة .
أخيراً : خلصت إحصائية سابقة لمديرية صحة طرطوس إلى أن أعلى نسبة للإصابة بالسرطانات بمحافظة طرطوس هي منطقة الدريكيش، وفي تقرير أعدته “تشرين” حينها كانت مياه الشرب هي المتهم الأول، واليوم تتكرر المأساة مع التهاب الكبد والمياه هي المتهم وللأسف حتى اليوم تغيب الإجراءات لحماية المياه الجوفية من التلوث والتي تعد المصدر الأول للشرب في المنطقة والمواطن هو أول من يتلقى النتائج التي تنعكس على صحته وصحة أبنائه.