الحب في أدب الرافعي
للحب في أدب الرافعي منزلة كبيرة قبل أن يوجد في أدب أقرانه من رواد الأدب العربي الحديث، وهو يمتاز عن سواه بكثرة كتابته في الحب، فلقد كتب في هذا المجال أكثر من عمل أدبي: (السحاب الأحمر، الرسائل الإخوانية، أوراق الورد، بعض اللوحات الفنية المتناثرة، في حديث الثمر، وعي القلم).. ولم يكن في وسع الرافعي أن ينأى عن الحب أو يجد منه مفراً، وكيف يستطيع الهروب من الحب وهو يأنس في نسجه نبوغاً في الأدب وتفوقاً في الشعر.. والنابغة في الأدب لا يتم تمامه إلا إذا أحب وعشق، ولا مندوحة للشاعر من المرأة، ولا يفنى في ذلك براعة تصوير، وتحليق خيال، وجموح فكر وذراية لسان، وليس في مكنته أن يغدو شاعراً ذا مكانة وأدباً ذا فلسفة إلا إذا عرف الحب ووجلت قلبه امرأة.
إن ملكة الفلسفة في الشاعر من ملكة الحب، وإنما أولها وأصلها دخول المرأة في عالم الكلام بإيهامها وثرثرتها، والمرء الذي لا يعرف الحب حياته معدمة وجسده أقرب إلى الحيوان منه إلى الإنسان، وليس شيئاً يحمل للحياة قيمة غير الحب، فهو الذي يمد المرء بطاقة وعزيمة تزيد من مداركه وأحاسيسه، بالحب وحده يحيا الإنسان، وتكون الطبيعة أكثر مما هي، ويزيد كل شيء حس العاشق لأنه هو زاد بحبيبته، وإيمان الرافعي بالحب جعله سبباً من أسباب نبوغ الشاعر، ففي رأيه أن الشاعر ينبغ بأشياء منها اللمحة السماوية التي تشرق على الشاعر من وجه جميل.. أحب الرافعي، وكان في حبه من الغرام والعنف ما فيه:
أحببتها جهد الهوى حتى
لا مزيد فيه ولا مطمع في مزيد
يقول الرافعي: «ولكن أسرار فتنتها استمرت تتقد فتدفعني أن يكون حبي أشد من هذا، ولا أعرف كيف يكون الحب أشد من هذا، وأرى أجمل الوجوه يخاطب في حاسة الإعجاب، ولا تعدو هذه العاطفة، وأرى وجهك أنت يبلغ مني المدى، ويأخذ بقلبي كله، ويستولي على جملة ما في إنسانيتي».
ومن هنا فإن أدب الرافعي قد أينع وأكل ثمره، أدباً رفيعاً، وذلك ما ينشده الرافعي: «وما أريد من الحب إلا الفن، فإن جاء من الهجر في نهر الحب»، ولهذا غدا الرافعي الأديب العربي الذي يسمع نشيج القلب ووجيب العاطفة ووميض العين، ويعبّر في قدرة وبلاغة من المعاني الفلسفية العميقة ذات الدلالات والمرامي، وأصبح الكاتب الذي أضاف إلى الأدب إضافات جديدة باقية.