«فرحة لا تخلو من غصّة»… «الصناديق الصفراء» تشوّه تراث حلب الحضاري والمعماري!
لم تدم فرحة أهالي حلب طويلاً بترميم أسواق مدينتهم القديمة حتى فوجئوا بصناديق صفراء مثبتة على حافات الطرق والأزقة الضيقة، وعلى جدران البيوت والمباني القديمة, كانت بمثابة (غصة) لحال تراث معماري لطالما تفاخروا به.
رمى الحلبيون خلفهم ركام الحرب، وباشروا منذ سنوات بإعادة بناء مدينتهم، وباتت الأسواق تعود بالتدريج بعد تأهيلها وترميمها سوقاً بعد سوق بخطة تسعى لإنجازها وزارة الثقافة مع جهات تنفيذية وعلمية وذات خبرة، يسارع الجميع لإعادة هذه الجوهرة “المدينة القديمة” إلى سابق عهدها .
الترميم وعرق المعماريين
وحتى لا يذهب عرقّ المعماريين سُدى وتتبدد جهودهم هباءً أمام روعة عودة الأسواق إلى سابق عهدها وتجديدها بالطريقة الأمثل من الصيانة والتأهيل استغرب أهالي حلب وجود هذه العلب الصفراء اللون تتبع لشركة الكهرباء، واللافت أن تلك العلب صناديق” كبيرة الحجم ومدت الكابلات بشكل غير مناسب. يقول أحد المعماريين: من الواضح التشويه الحاصل لجدران المدينة القديمة حين توضع هذه الصناديق بطريقة غير حضارية، وبأسلوب لا يتناسب مع جمالية المكان، أو مع ما تبقى من جدران صمدت بالحرب .
من جانبه قال مدير الآثار بحلب الدكتور صخر علبي لـ«تشرين»: إن هذا الأمر غير مقبول, ولا يليق بالمدينة القديمة وحتى الجديدة منها، ويعزو الأمر إلى عمل كل جهة خدمية وحدها دون حدوث تنسيق وأردف: تجربتنا في سوق السقطية ناجحة, وكان من المفترض أن تصبح مثالاً يحتذى لبقية الأسواق, ولكن مشكلتنا لم يكن هناك تنسيق بين الجهات، لا ألوم جهة بحد ذاتها، فشركة الكهرباء لديها بالنتيجة خطة عمل يجب أن تنفذها بحذافيرها، ولكن الكارثة بعدم وجود التنسيق، وهذا سيؤدي إلى تكبد خسائر مادية، وبعد مباشرة العمل بالسوق سيتم فك هذه الصناديق ورفعها إلى الأسطح، أو تلبيسها بهياكل ذات نماذج محددة.
وأضاف علبي: يوجد تخبط حتى في مد الصرف الصحي بشكل لا يتناسق مع عمل الجهات المنفذة للترميم، من حيث توقيت انتهاء الأعمال، إن الصناديق الصفراء شكلها مقيت ويؤثر على المشهد الجمالي للحارات القديمة، وكذلك الصناديق الخشبية التي صممت ليست أفضل, وحين نخاطب شركة الكهرباء يردون علينا بجملة: (هذا المتوافر!) وفقط.
بالمقابل يلفت الدكتور علبي النظر إلى أن الظروف الراهنة للبلد والمعاناة باستيراد القطع الكهربائية السبب لكنها لا تتناسب مع روح المدينة القديمة.
ويضيف: العلب التي تم تركيبها، كبيرة وقديمة يمكن أن يتم تركيبها في شارع طوله 20 كيلومتراً, ولكنها لا تتناسب مع حارات ضيقة جداً، شوّهت طريقة التركيب حتى بتمديد الكابلات.
الكهرباء «نعمة»
قاطنو الحي وأصحاب المحال كانت لديهم آراء متفاوتة، منهم من يجد بعودة هذه الصناديق حلماً تحقق أخيراً، وآخرون يجدونها تشويهاً ويطالبون بإيجاد حلول..
من جهتها قالت عضو المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة المسؤول عن قطاع الثقافة والسياحة والآثار المهندسة ذكرى حجار في تصريحها لـ«تشرين»: إن سبب تركيب هذه الصناديق بالنهاية الحاجة الماسة لعودة السكان إلى محالهم وبيوتهم وأعمالهم ضمن المدينة القديمة وأردفت :لكن في المستقبل توجد خطة لدى محافظة حلب مع مشاريع إعادة الترميم وتأهيل لكل المدينة القديمة بعضها كلي وجزئي، نحاول أن تكون البنية التحتية تحت الأرض، وكانت كذلك قبل الحرب، كانت الطرقات والمياه والصرف الصحي تحت الأرض.
وتشاطر المهندسة حجار آراء المعماريين لكون بعض أعمال التركيب التي حدثت في بعض الأحياء والأسواق هي تشويه بصري لكن كانت بسبب الحاجة للكهرباء، فيما التوجه الحالي إلى أن كل منطقة يتم ترميمها وتدخل بها اتفاقية وزارة الثقافة مع الأمانة السورية للتنمية، شبكة الأغا خان ومحافظة حلب ومجلس مدينة حلب ومديرية الآثار حين ينجزون أعمالهم فإن البنية التحتية كلها ستكون تحت الأرض بشكل فني، وستغطى العلب الصفراء بقطع خشبية تتناسب مع تراث المدينة المعماري والحضاري.
وفي هذه الأثناء ومع العمل المتواصل لكثير من الأسواق والحارات تتم بطريقة متماثلة وجاذبة ووفق عضو المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة حجار فتقول: حالياً نسمح للقطاع الخاص بالترميم ولكن من دون حدوث أي تجاوزات، لإعادة البناء كسابق عهده، لكن الكهرباء، هي حاجة ضرورية لإعادة إعمار المدينة القديمة، والخطة القادمة هي بالمدينة القديمة تحت الأرض والعلب تكون فوق الأرض لكن من دون تشويه بصري.
وقالت الحجار: إن شركة الكهرباء تتوسع بشكل دوائر لتغطي بقية الأحياء والحارات القديمة لإيجاد لمساواة بين كل الأحياء بنسبة إنجاز إلى الآن تزيد على 50 % حيث تم وصول الكهرباء لعدد من الأحياء منها: قارلق وقاضي عسكر وباب الحديد والجلوم، وجب القبة والقصر العدلي القديم وباب أنطاكية والبياضة، وغيرها.
ويحد قطاع حلب القديمة عدة قطاعات منها جزء من قطاع قاضي عسكر، وقطاع ثاني باب النيرب، ويحدها قطاع مركز المدينة.
واللافت أن التغذية القادمة لأسواق المدينة القديمة، وتشجيعاً لعودة أصحاب المحال وعودة نبض الحياة لها، فهي تأتي طوال النهار مثلها مثل كل المدن الحرفية والصناعية في حلب، ويبقى في الخطط القادمة إنجاز مدّ خطوط الكهرباء لعدد من الأحياء، منها حي الجديدة, وهي من المناطق السياحية حيث توجد عدة موافقات لتشييد فنادق، وفعاليات سياحية، وبحسب حديث المهندسة حجار أنه في حال توافرت القطع اللازمة للكهرباء من المتوقع أنه لنهاية العام يمكن استكمال إمداد الكهرباء لجميع أسواق وحارات المدينة القديمة.
ت: صهيب عمراية