تضيء الانتخابات الفرنسية الجارية حقيقة ما يفعله سياسيوها بأمتهم.. وأين يتموضع حكام بلاد الثورة الفرنسية اليوم تجاه شعبهم وتجاه العالم.
من شدة ابتعاد الرئيس ماكرون عن هموم شعبه الحياتية يلقبه الفرنسيون بـ«رئيس جمهورية المريخ» دلالة على سلوكه النخبوي المتعالي وسياسته التي تخدم كبار الأثرياء، ورغم أنه حاول في حملته الانتخابية أداء شخصية قريبة من الناس إلا أن انتماءه إلى حزب روتشيلد المصرفي اليميني ما زال هويته السياسية وماركته الانتخابية لدى الناس تجاه منافسته الأكثر يمينية منه (ماري لوبان) وتجاه منافسه الأكثر شوفينية وتضليلاً (إيريك زامور).
يرى خبير السياسة الفرنسية (هاريسون ستيتلر) أن فرنسا تعيش هذه الأيام تحت وطأة أفكار اليمين الخادم للأثرياء المتحكم بمقاليد الحياة المعيشية، والمثير لحنين العودة للاستعمار والاستغراق في القومية الحربية، وشبق التحكم بأوروبا، أو بناء جدار حديدي تجاهها. وهذه الهستيريا اليمينية تشكل قاسماً مشتركاً بين مرشحي الانتخابات الرئاسية الفرنسية. وحسب استبيان فإن أكبر من يتحكم بهذه الانتخابات شخص لا يظهر في الصورة، هو قطب الصناعة والإعلام (فينسنت بولوري) الذي يمسك بعصا التأثير في الرأي العام الفرنسي عبر شبكته الإعلامية الأخطبوطية.
منذ عقدين فتح ( بولوري) طريقه إلى الإعلام، إضافة للمشاريع الصناعية والاستثمارية العملاقة، وإضافة إلى اثنين من أكبر دور النشر الفرنسية يملك بولوري مجموعة مجلات اجتماعية وصحف أسبوعية، إضافة إلى إذاعة وطنية ومؤسسة إنتاج تلفزيوني كبيرة (كانال بلاس)، ودرة التاج لديه (سي نيوز)، وتعتمد شبكات بولوري على إثارة الغرائز القومية والتعالي العرقي، وتخوض في كل شؤون الحياة الاجتماعية، متبنية أسلوب (فوكس نيوز) في التحريض السياسي والتضليل الإيديولوجي. وبذلك فإن إعلام بولوري يحرك النقاش الوطني العام، بما يطرحه من أفكار وتوجهات. وهذا التحريض يؤثر بالمحصلة في كل وسائل الإعلام.. إنه التضليل الذي يفتح طريق الضلال اليميني أمام الجمهور، سواء بالمتابعة أو بالتأثير عبر ارتدادات الأفكار والنقاش العام.
ما يجري في فرنسا اليوم من ارتداد إلى الماضي عبر أوهام عظمة استعمارية لم تعد موجودة، ومن حنين قومي شوفيني، ما هو إلا إسقاط لأمة الأنوار في إيديولوجيا يمينية ماسونية لا تخدم إلا الأثرياء. وبين ماكرون ولوبان و زامور اتضحت صورة فرنسا الواقعة بين التضليل وبين اليمين، وكلاهما وجهان لعملة واحدة.. هي تضيع فرنسا كأمة قيم وتحويلها إلى تابعة للمصالح المصرفية اليمينية الخادمة لسياسات الليبرالية المتوحشة، وهذا ما يجعل الرئيس بعيداً عن شعبه كأنه بالفعل (رئيس جمهورية المريخ).