الدولار سلاح أمريكا الأخير في الحروب
لا يزال الدولار الأمريكي يتربع على عرش الاقتصاد العالمي بالرغم من كل الهزّات الاقتصادية والسياسية التي عصفت بالولايات المتحدة الأمريكية وبالرغم أيضاً من حجم الديون الخارجية الأمريكية الذي يتجاوز 22 تريليون دولار وكل المحاولات التي قامت بها دول مختلفة لتكريس عملات أخرى للتبادل كالصين وروسيا والاتحاد الاوربي لم تعط أي أثر يذكر في مسار اللعبة النقدية الدولية.
إن تربع الدولار الأمريكي وسيطرته كانا نتيجة لظروف موضوعية اقتصادية وسياسية هيأتها اللوبيات الأمريكية المختلفة، تتمثل في سيطرة المؤسسات الأمريكية على صندوق النقد الدولي وأغلب المصارف الضخمة في العالم، والتحكم بمنابع الطاقة الرئيسة في دول الخليج، إضافة إلى برنامج الغزو غير العسكري من خلال مشروع العولمة التي جعلت أمريكا تسيطر على الاقتصاديات العالمية.
ويبرز دور الدولار في تقوية الولايات المتحدة الأمريكية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً من خلال المعادلة البسيطة التالية: الحكومة الأمريكية ومنذ عام 1973 أوقفت تغطية الدولار بالذهب وبدأت طباعة الدولار بلا تغطية وأصبح الدولار يستمد قوته من القوة السياسية والعسكرية الأمريكية ومن الهيمنة الأمريكية على منابع الطاقة والحكومات في أغلب البلدان، وبالتالي الحكومة الأمريكية تطبع دولارات عشوائياً بلا قيود لتقديم الدعم لأي طرف سواء كان سياسياً أم اقتصادياً أم عسكرياً، في حين تتحدد قدرة بقية دول العالم عند حدود احتياطياتها من الذهب والعملات الصعبة.
هذه اللعبة الاقتصادية جعلت أمريكا تتمكن من سرقة جميع شعوب الأرض حتى التي تقف في وجهها كروسيا والصين ونحن في سورية؟ كيف، من خلال معادلة بسيطة نحن نبيع إنتاجنا للخارج مقابل الدولار، أي مقابل ورقة لا قيمة لها إلا في حدود الدور الذي ترسمه الولايات المتحدة ضمن معادلة هي تلبية الاستهلاك الأمريكي حتى التخمة والتخزين الإستراتيجي لأطول فترة ممكنة ومن ثم يعطى الفائض للأسواق العالمية تتقاذفه ظروف العرض والطلب في ظل اختناق العرض نتيجة استنزافه من الولايات المتحدة الأمريكية.
وحالياً خلال الحرب الأوكرانية بدأت الولايات المتحدة تستخدم سلاحها المفضل والأقوى وهو الدولار من خلال التلاعب بالحركة المالية الدولية وحجب روسيا عنها ومحاولة استنزاف الاقتصاد الروسي، فبمعادلة بسيطة بعد عدة أيام من الحرب أصبحت روسيا بحاجة لمضاعفة صادراتها للحصول على المبلغ نفسه المقوّم بالدولار.. أيضاً تستطيع تقديم مساعدات وهمية لأوكرانيا من خلال شراء معدات وما شابه من دول أخرى وتسديد قيمتها بالدولار غير المغطى.
وقد خطا الرئيس الروسي خطوة هائلة تجاوزت الخطوط الحمر لأمريكا عندما أعلن حصر مشتريات أوروبا من الغاز بالروبل.
“مخاوف حقيقية باقتراب نهاية الدولار الأمريكي كعملة احتياطية أولى”، بهذه الكلمات حذرت مجموعة غولدمان ساكس (Goldman Sachs) الأمريكية من أن الدولار قد يكون أمام سيناريو النهاية كعملة مهيمنة في العالم، وكتب محللو غولدمان بمن فيهم جيفري كوري: “الذهب هو عملة الملاذ الأخير، خاصة في بيئة مثل البيئة الحالية، حيث تقوم الحكومات بخفض عملاتها الورقية وتدفع أسعار الفائدة الحقيقية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق”. وقالوا: إن هناك الآن “مخاوف حقيقية حول طول عمر الدولار الأمريكي كعملة احتياطية”.
بشكل عام يبدو أن قواعد اللعبة بدأت تتغير إستراتيجياً وليس آنياً، أي إن الولايات المتحدة “ليست قريبة من فقدان مكانتها في العملة الاحتياطية نظراً لعمق أسواق رأس المال والحجم الهائل للمعاملات العالمية المقومة بالدولار الأمريكي”، ولكن تدريجياً ستحاول الدول بعد الأزمة الأخيرة تنويع محافظها من العملات الصعبة مع زيادة دخول اليورو والروبل والين بقوة وهذا تدريجياً سيسحب السلاح الأقوى والأخطر من يد الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن لنكن واقعيين هذا يتطلب سنوات طويلة لكون كل المصارف تحتفظ بالجزء الأكبر من رأسمالها بالدولار الأمريكي.