يشهد النظام المالي العالمي بداية تغييرات قد تؤدي إلى زعزعة هيمنة الدولار الأمريكي على التجارة العالمية والنظام المالي العالمي وبالتالي ظهور
حقبة العملات الإقليمية كاليوان الصيني أو الروبل الروسي .
هذه المستجدات المالية العالمية تأتي بعد أن وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أيام صفعة قوية لهيمنة الدولار على النظام النقدي العالمي بقراره بأن تكون مدفوعات الغاز الروسي المصدر إلى الدول غير الصديقة بالروبل وعدم دفعها بالدولار أو اليورو بما في ذلك جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي مانحا السلطات الروسية أسبوعا لوضع نظام دفع جديد بالروبل.
الخطوة الروسية المفاجئة للدول الغربية جاءت بعد ان فرضت تلك الدول ومعها أمريكا عقوبات جائرة على موسكو وبعد تجميدها جزءا من الاحتياطات الروسية من الذهب والعملات الأجنبية على خلفية العملية الروسية الخاصة لحماية سكان دونباس في أوكرانيا ، كما تأتي في إطار الإجراءات الحكومية التي اتخذتها موسكو لمواجهة الصلف الغربي والتقليل من تأثير عقوباته.
لاشك بأن روسيا كانت تدرك قبل اتخاذ هذه الخطوة أنه لا يمكن عزلها اقتصاديا وأن لديها الكثير من الأصدقاء والحلفاء والشركاء التجاريين حول العالم الذين سيقفون معها ومنهم الصين صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم والتي أعلنت في خطوة داعمة للموقف الروسي أنها لا تستبعد استخدام الروبل واليوان فى تعاملاتها فى مجال موارد
الطاقة مع روسيا بدلا من الدولار الأميركي مؤكدة ان اللاعبين في مجال التجارة أحرار فى اختيار العملة التي يرغبون بها بموجب تسويات واتفاقات ثنائية.
سورية وهي الدولة الحليفة والصديقة لروسيا في منطقة الشرق الأوسط أعلنت من جانبها في خطوة مؤازرة ودعم لموسكو أنها على استعداد لبحث التسويات التجارية المتبادلة مع روسيا
بالعملات الوطنية للبلدين، مشيرة الى أنها كانت أول من دعا العالم إلى التخلي عن هيمنة الدولار لأنه الأداة الرئيسية فى الهيمنة الأمريكية على النظام الاقتصادي العالمي وأنه منذ عام 2011 أضافت الروبل الروسي واليوان الصيني الى محفظتها من النقد الأجنبي .
وبالتاكيد فإن الخطوة الروسية بالتخلي عن الدولار في مدفوعات الغاز ستجبر الدول الغربية التي تستورد الغاز الروسي على تأمين الروبل بكافة السبل لدفع مستورداتها وبالتالي دعم الطلب
على العملة الروسية وزيادة قيمتها ومنع تراجعها.
كما أن هذه الخطوة تقلل إلى حد ما من تأثير العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي مع العلم أن أوروبا تعتمد على الغاز الروسي بشكل رئيسي حيث تستورد منها 40 بالمئة من احتياجاتها من الغاز و 25 بالمئة من النفط وهو ما يعني أن إمكانية التخلي الأوروبي عن الغاز الروسي تعد أمرا مستحيلا.
وبالعودة إلى تآكل هيبة الدولار من المفيد أن نذكر في هذا السياق وفق خبراء في الاقتصاد أن حصة الدولارات في احتياطيات النقد الأجنبي العالمية المحددة تتجه نحو الانخفاض منذ 20 عاما من 70 بالمئة في مطلع القرن الحالي إلى 59 بالمئة فقط في الربع الثالث من عام 2021 وهو ما يعكس جهود كثير من البنوك المركزية في العالم للتنويع بعيدا عن العملة الأمريكية.