مسلسل «كسر عضم» يعوزه «لحم» الإقناع! 

مسلسل “كسر عضم” للكاتب علي معين الصالح، وبرغم ما يقدمه من تسليط ضوء على ممارسات بعض المتنفّذين، الذين كوّنوا ثروات خرافية بشكل غير قانوني، بعضها يظل في حوزتهم وبعضها الآخر يتم تهريبه خارج البلد, إضافة لأخطاء وتجاوزات للقانون من قبل ضباط ورجال أمن، وكانت تلك الممارسات على شريحة واسعة من الناس الذين لا حول لهم ولا قوة، ومن الذين لا يمكنهم الحصول على قوت يومهم, لكن المفارقة أن كاتب المسلسل سلّط الضوء على تلك الممارسات بارتكاب أخطاء أيضاً، ومن المؤسف أن مخرجته رشا شربتجي لم تنتبه لها.

فمنذ بداية المسلسل، ثمة تغييب للزمن، زمن الأحداث، فهل ما رأيناه طالما يستلهم من سنوات الحرب، يحدث في أولها أم في منتصفها؟ ويفترض أن الحواجز هي التي تحدد أو تقارب الزمن، لأن معظمها أزيل في معظم المحافظات، ومنذ أكثر من خمس سنوات، إذ إن تحديد الزمن قد يغفر بعض الأحداث والأخطاء أو يفاعلها, فهل يمكن لأحد من المشاهدين وفق مشاهدة نصف حلقات المسلسل أن يخبرنا ما الذي في المسلسل من مظاهر الحرب؟ ثم إن السيارة التي انفجرت على حاجز، يفترض أنه يفصل المنطقة الحدودية بين سورية ولبنان، بدليل أن الموكب الذي انفجر كان يتجه إلى لبنان زاعمين أصحابه أنه يهرّب أموالهم، إذاً ما الذي جاء بالعميد طلال الذي اغتيل، من الاتجاه المعاكس؟!, بمعنى آخر؛ إن هذا التفجير غير مقنع درامياً لأسباب مكانية, هذا أولاً، أما ثانياً فلم يتضح للمشاهدين أسباب اغتيال العميد طلال من قبل مرتكبي الجريمة، ثالثاً ماذا عن سائقي موكب العميد وهم ثلاثة، فـ(ريان) لم يسعف غير العساكر الذين كانوا حراساً على الحاجز؟, والذين ارتقوا شهداء بالتتابع, حتى إن سائقي الموكب المفخخ، وهم ثلاثة أيضاً، لم يتم ذكرهم بالمرة، فلو ظل أحدهم حياً كما افترضوا في المسلسل وفق حادث التفجير، لكان يمكن أن يفيد بالتحقيق لمعرفة مَنْ وراء هذه الجريمة، مع إننا نستبعد بقاءهم أحياء.

وبالعودة لمظاهر الحرب لم نلمسها حتى في جملة حوارية واحدة لأي شخصية من شخصيات المسلسل! فما شاهدناه فقط ثمة من يودون السفر إما هرباً من تأدية خدمة العلم، أو بسبب الحال المعيشية الصعبة وضغوطاتها، من دون أي إشارة لظروف الحرب أو زمنها, أما لو أتينا للخطأ الذي نزعم أنه قد ينسف كل ما جاء بعد الحلقة الثانية فهو مشهد تفجير السيارة المفخخة واستشهاد العميد “طلال” وحرس الحاجز، فانفجارها بهذا الشكل وبهذا القرب، يجعل تأثيرها وفق ما كنا نعاين على أرض الواقع أكبر بكثير مما رأينا في المسلسل، أي إن قطر دائرة تأثير السيارة المفخخة بالأضرار التي تحدث، أوسع وكان يجب أن تطول حتى الضابط ريان والضابط فيصل، ولاسيما أن ريان كان على باب«كولبة مكتب المقدم فيصل»، وشاهدنا وفق اللقطة العامة أن النيران وصلت إلى باب “الكولبة”، ثم إن مثل هذا التفجير لا يمكن لأي إنسان قريب منه كما شاهدنا أن يظل حياً، أو ثمة إمكانية لإسعافه، فالتفجير يُحدث نزفاً داخلياً قاتلاً على الفور, فعدم معرفة تأثير انفجار السيارة المفخخة من قبل الكاتب والمخرجة، نتجت عنه مشاهد وأحداث غير مقنعة درامياً، وتالياً كل ما جاء بعد الحادث تعوزه مسوغات غير متوافرة.

وإن تجاوزنا الحديث عما حدث في بدء المسلسل، فهل أقنعنا الكاتب برسم شخصياته الرئيسة وأفعالها ومصائرها؟ لنبدأ بشخصية الضابط ريان الذي انتحر بسبب ضغوطات والده (حكم الصياد) وفساده، ورغبة منه في معاقبته بعد أن ظل يعيش تحت سطوته، حارماً إياه من متابعة تحصيله العلمي زاجاً به متطوعاً في الكلية الحربية، ليمارس عمله في الأماكن التي يقررها الوالد المتنفّذ غير المعروف منصبه، ولكي يستفيد منه حيث يخدم فيمرر مصالحه,هذا الضابط كما شاهدنا هو عازب من دون مسوغات، مع إن منطق سطوة والده يفترض أن يزوجه من ابنة شخص له مصلحة دائمة معه، ولاسيما أنّ “ريان” في عمرٍ يفترض أن يكون رب أسرة، فحتى والدته لم تتحدث معه ولا مرة بهذا الشأن كما كل الأمهات اللواتي يردن أن يفرحن بابنهن البكر, قد يبدو الحديث في هذه المسألة سخيفاً، لكن لو كان ريان متزوجاً، وأنجب أطفالاً كما يفترض منطق الشخصيات ومساره، هل كان سينتحر؟. ما يعني أنه لا يجوز للكاتب أن يسيّر شخصياته وفق هواه، بل وفق منطقها ومنطق البيئة التي وضعها فيها, وإن توقفنا مع شخصية ” عبلة” نرى أنها فجأة بعد اغتيال زوجها العميد طلال، ولأنها سبق وتعرضت لظلم«أبو ريان» بسرقته لها من زوجها ليلة عرسها، وخسارتها رحمها في السجن، تصبح ماهرة وبخيال لا يجارى في إعداد المكائد وفنون التهريب، لتنتقم من غريمها “أبو ريان”، وتتقاطع معها شخصية الفنانة التشكيلية “شمس” التي باتت تنتحل شخصية محامية وتقابل محامي خصم جارها وتهدده، كي تساعد الأخير بالحصول على ميراث والدته!, كل ذلك خارج سياق شخصيتهما! فالكاتب يفعل ذلك التحول في الشخصيتين من دون أي تسويغ درامي وتالياً غير مقنع ويأتي مرض ” أبو ريان” بالإيدز هو وزوجته الثانية، في زمنٍ نسيت الناس فيه هذا المرض منذ أكثر من عقدين من الزمن، لتنبههم للإجراءات الوقائية التي تحمي منه، ولقلة وجود الإصابات فيه، فلو أن الأحداث والشخصيات موجودة قبل أكثر من ربع قرن لاقتنعنا بهذا المصير, وثمة أخطاء أخرى متفرقة في رسم أفعال وردود أفعال الشخصيات، لا بدّ أن يلاحظها بالتدقيق بعض المشاهدين.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار