من “الزير سالم” إلى “جوقة عزيزة”!
على الضفة الأخرى من مسلسلات الشام القديمة، ظهرت الأعمال التي تتحدث عن الوجه الآخر للمدينة، لكن الأحادية التي حكمت “باب الحارة”؛ عادت لتطبع هذا النوع من الأعمال التي تصوّر المدينة بشكلٍ مختلف جذرياً مع أنها تقريباً تنتمي إلى المرحلة التاريخية نفسها.
“جوقة عزيزة” كان من الممكن أن ينجو من تلك الملاحظة بفتح بعض الخطوط الهامشية في القصة بحيث يحل التوازن مكان عرض الجانب الواحد، مع أن الكثير من تلك القصص التي تناولها المسلسل حقيقية، وكانت موجودة فعلاً في الشام لكنها لا تختزلها بهذا الشكل.
سيقول كاتب العمل والمخرج والممثلون إنهم لا يكتبون توثيقاً للشام، لكن طبيعة الحكاية تفترض وجود أطراف أخرى فيها، فهي ليست مبتورة عن المجتمع ولا بد أن تظهر الأطراف الأخرى المتناقضة مع “الجوقة” بشكل لا يبدو المسلسل وكأنه يتحدث عن مدينة أخرى.
“جوقة عزيزة” يثير إشكالية مكانة البطل في ذهنية الجمهور، وهل يبقى الممثل النجم ملكاً لنفسه أم للجمهور الذي تعلق به واعتبره رمزاً بناء على أدواره الشهيرة التي أداها خلال تجربته الطويلة في التمثيل. هل من حق الممثل أن يهبط إلى منزلة الكومبارس مثلاً، وهل هناك ما يغفر للفنان سلوم حداد أن يتنازل عن مكانته العالية في “الزير سالم” إلى دوره كطبال في هذه الجوقة؟.
لاشك أن النجومية تحد من الحرية الشخصية للفنان، حتى لو كان يرغب الدور الجديد أو يعتبره ترويحاً عن النفس. فذلك يمكن أن يؤثر على تعاطف الجمهور العام الذي بنى احترامه للممثل بناء على أدواره السابقة، وبالتالي فإن كل دور جديد لا بد أن يخضع للدراسة والاعتبارات كي تستمر المسيرة وفق تطورها الطبيعي ولا تقع في مطب العثرات والهفوات أو الإخفاقات.
كثير من المشاهير وقعوا في هذا الفخ، وكان الأمر ناتجاً في الغالب عن تسرع في اتخاذ القرار أو مراعاة لظروف مادية وعروض من شركات الإنتاج، لكن الثمن في النهاية سيكون من تجربة الفنان المبنية بأناة وجهد كبير لا يمكن التفريط بها بهذا الشكل.. ورغم أن استضافة الفنانين النجوم كضيوف شرف في بعض المسلسلات عبر تقديم دور بسيط وعابر، هو أمر مألوف وطبيعي، لكن الهبوط إلى دور الكومبارس أو بطولة الصف الثاني أو الثالث لا يتناسب أصلاً مع إمكانية المشاهير مثل الفنان سلوم حداد الذي حجز مكانة كبيرة في ذهن الجمهور منذ تجاربه الأولى التاريخية والاجتماعية.
في كل الأحوال ما زال الموسم الرمضاني في نصفه الأول، وربما نشهد في النصف الثاني مفاجآت تنعطف بالشخصيات إلى مكان لا يتوقعه المشاهد، وهذا ما نرجوه فعلاً ليس من باب الإثارة وتحقيق الصدمة لدى الجمهور، بل من وجهة المحافظة على مكانة النجم الذي لم يعد ملكاً لنفسه لأنه لا يعمل بمعزل عن الجمهور.