تحليل أخضر
ذهب صديقي المحلل السياسي إلى سوق الخضرة، فصادف امرأة ريفية تضع أمامها خسَّاً نضراً، واضح من منظره أنه الآن ترك أرضه التي زُرِع بها، وجاء ليُبهِر الأنظار ويجذب الراغبين، سألها عن سعر الخسّة، فأجابته المرأة أنها بألفي ليرة، فجحظت عيناه، قائلاً: أُفففف الأسبوع الماضي كانت بألف وخمسمئة، ما الذي جعلها تنطّ هذه النطّة العجيبة لتُناطح البطاطا، فسخرت من جهله بالقول: يبدو أنك لا تتابع الأخبار، ولست على اطلاع كافٍ بمستجدات الأحداث العالمية. دعني أخبرك: ألم تسمع بالحرب في أوكرانيا، والعقوبات العالمية على روسيا؟ إنها السبب الرئيس لارتفاع سعر الخسة.
وبعد البهدلة المعتبرة التي تلقَّاها، تركَ الخسّ وأعرضَ عن اللَّسّ، وتابع مسيره في السوق إلى أن صادف بائع ملفوف بلدي، لونُه زاهٍ، وأوراقه طرية، وطعمه حلو، يعني بالمختصر “شي بيشهّي”، وقال في سرِّه: “الله محيي البلدي”، وما إن اقترب من صاحب البسطة العريقة بملفوفاته البلديات وسأله عن سعر الكيلو منها، حتى جاءته الصاعقة الثانية بأنه بسبعمئة ليرة، ولأنه يعشق “المكمور” أو ما يسميه البعض “محشي الكسالى”، وكي لا يوصف بالكسل، استفسر عن سبب الزيادة التي فاقت المئتي ليرة للكيلو في أقل من أسبوع، ليأتيه الرد من البائع، بأنه لا يحب اللف والدوران مع إنه يبيع الملفوف، وبأن ذلك عائد بكل تأكيد إلى الحرب في أوكرانيا، وأضاف مازحاً بأن هناك من أخبره أن خسارة الريال مدريد أربعة صفر مقابل برشلونة العائد بقوة في الدوري الإسباني لعبت دوراً كبيراً في زيادة سعر الملفوف.
وبعدما تَعِبَ من التحليلات المُمِضَّة لجأ إلى البندورة البلاستيكية، فالوقائع حتى الآن تُشير إلى أنه سيخربها ويصنع صحن “جظ مظ” خشية أن تبظّ عيونه أكثر من الأسعار، وعندما وصل إلى البائع وسأله عن سعرها، فأجابه بأن الكيلو بألفي ليرة، فردّ عليه، لكنها كانت بألفي ليرة قبل أسبوع، قال البائع: وأنا أقول لك أنها الآن بألفي ليرة، فما كان من صديقي المُحلِّل إلا أن اشترى كيلو ودفع للبائع ألفين وخمسمئة ليرة، وعندما استفسر البائع عن الخمسمئة ليرة الإضافية، أجابه صديقي بأنها بسبب الحرب في أوكرانيا، ونتيجة خسارة الريال، مضيفاً بأنه من الجائز أن ذلك يعود أيضاً إلى غزارة الأمطار في نيكاراغوا، وارتفاع درجات الحرارة في كوالا لامبور.