المنشآت المدمرة في الحسكة..لماذا تقوم القوات الأميركية بتدميرها؟
تُظهِر الصورة الجوية المرفقة مع هذا التحقيق الصحفي مدى حجم الدمار الذي طال المنشآت الحكومية في الأحياء الجنوبية لمدينة الحسكة إبان الاشتباكات التي دارت في محيط سجن الثانوية الصناعية في العشرين من كانون الثاني الماضي.
وبقراءة “سريعة” لهذه الصورة نتوصل إلى العديد من الاستنتاجات المهمة، فهي صورة جوية ملتقطة من طائرة مُسَيّرة تابعة لقوات الاحتلال الأميركي التي قامت هي بتدمير هذه المنشآت، أي إن مصدر الصورة هو المعتدي نفسه، وبالتالي لا مجال للتشكيك فيها وصحتها، أي إننا بنشرنا لهذه الصورة نقول لقوات الاحتلال الأميركي: «من فمكم ندينكم».
وتكمن أهمية المنشآت المدمرة بأنها منشآت تنموية وخدمية، تقدم خدمات مهمة ليس لسكان محافظة الحسكة فحسب، وإنما لسكان سورية برمتها.
فالكليات الجامعية مثلاً تضم طلاباً من كل المحافظات السورية، وصوامع الحبوب تخزن القمح اللازم لصناعة الخبز في كل أنحاء سورية.
كما تظهر الصورة بشكل واضح أن حجم الدمار الذي طال تلك المنشآت كبير جداً، وذلك حتى تُدمر معه أي فائدة مرجوة منها، ويصبح مجرد التفكير بالعودة إليها غير وارد على الإطلاق.
وبناء على ما تقدم، نستطيع أن نجزم بأن التدمير الذي طال تلك المنشآت كان متعمداً وممنهجاً، وتم بشكل مدروس وعن سابق إصرار وتصميم بهدف حرمان الشعب السوري من الخدمات التي تقدمها، وذلك في صفحة من صفحات الحرب الكونية التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية وأتباعها على سورية.
وبعيداً عن الإطالة ذهبنا إلى المسؤولين عن المنشآت التي تم تدميرها وسألناهم عنها وعن أهميتها وعن حجم الدمار الذي طالها، فماذا قالوا؟
مخبز الباسل الآلي
يخبرنا مدير فرع السورية للمخابز عبد الله الهصر بأن قوات الاحتلال الأميركي قامت بتدمير مخبز الباسل الآلي الكائن في حي غويران في الثاني والعشرين من كانون الثاني الماضي، أي بعد يومين فقط على اندلاع الاشتباكات في محيط سجن الثانوية الصناعية.
وأكد أن المخبز تم تدميره بالكامل، حيث لم يعد يصلح لشيء، كما تمت سرقة كل الآلات والمعدات ومستلزمات العمل ومخزون الطحين والخميرة والملح الموجود فيه. وبتدمير هذا المخبز تم حرمان سكان كل الأحياء الجنوبية من الخبز الذي ينتجه، ضمن سياسة تجويع الشعب السوري التي تنتهجها الولايات المتحدة الأميركية.
وبيّن الهصر أن مخبز الباسل الآلي كان يخدم سكان سبعة أحياء كبيرة هي: غويران شرقي- غويران غربي- النشوة الشرقية- النشوة الغربية- النشوة فيلات- الليلية – الزهور، يضاف إليهم سكان الريف الجنوبي المحيط بمدينة الحسكة، مضيفاً: إن الشركة السورية للمخابز قامت باستئجار البناء المخصص لصالة فرز وتوضيب الخضار والفواكه من الشركة العامة للخضار والفواكه في عام ٢٠٠٢، كما قامت شركة المخابز بتركيب خط إنتاج للخبز العربي «المرقد» في تلك الصالة، وباشر المخبز بالإنتاج في الرابع من كانون الثاني عام ٢٠٠٣، وأمام زيادة الطلب على إنتاج الخبز المنتج من هذا المخبز، ولمواجهة الزيادة السكانية، قامت ” السورية للمخابز” بتركيب خط إنتاج ثانٍ في المخبز في عام ٢٠٠٨. ويبلغ عدد العاملين في المخبز ٦٧ عاملاً.
صوامع الحبوب
يقول مدير فرع ” السورية للحبوب” عبد الله عواد الطلب: إن المنشأة التي تم تدميرها على يد قوات الاحتلال الأميركي تسمى صويمعة نظراً لسعتها التخزينية التي تقل عن السعة بالنسبة للصوامع الكبيرة. ومع ذلك فإن السعة التخزينية للصويمعة المدمرة لا يستهان بها، إذ تبلغ ١٤ ألف طن من القمح، مبيناً أنها صويمعة معدنية صنعتها وركبتها إحدى الشركات العالمية المتخصصة في مركز الحسكة لشراء الحبوب عام ٢٠٠٨، وهي ذات مواصفات فنية عالية الجودة تتناسب والظروف البيئية في المنطقة، وتعمل بتقنيات ميكانيكية وكهربائية متطورة.
ويؤكد الطلب أن أهمية هذه الصويمعات تكمن بحفاظها على المخزون لسنوات عديدة، وتوفير مبالغ طائلة مقارنة بتخزين القمح في العراء، ومنع ظهور الأرضيات الناتجة عن حالات التعفن في قاع المخازين المكدسة، الأمر الذي تعاني منه المؤسسة حالياً. وفي النتيجة هذه الصويمعات تحفظ كل حبة قمح من التلف والتعفّن وتكافح الهدر في المخازين، لافتاً إلى أن النفقات المالية التي تُصرَف على الشوادر والرقائق البلاستيكية والثقالات والحبال ومواد التعقيم المختلفة والمكافحة الحشرية كل هذه التكاليف وغيرها توفرها هذه الصويمعات. ولذلك يعد حرمان الدولة السورية منها حرماناً من هذه الخدمات التي تقدمها، ما يضطر الجهات المعنية لتخزين القمح في العراء، وتكبيد الدولة السورية خسائر مالية لا يستهان بها من جراء ذلك. علاوة على خسارة جزء من إنتاج القمح بسبب التعفن الذي يتعرض له في الأرضيات، وحرمان الشعب السوري من الاستفادة منه.
وكذلك الأبنية الجامعية، حيث يقول رئيس جامعة الفرات الأستاذ الدكتور طه حمادي خليفة: لم تتعرض مقرات المؤسسات الجامعية جنوب الحسكة للتدمير فحسب، وإنما إلى سرقة ونهب كل محتوياتها، الأمر الذي يؤكد أن التدمير تم بشكل متعمد وممنهج بهدف حرمان أبناء الجزيرة السورية من تلقي العلم والمعرفة وإبقائهم يدورون في نير الجهل والتخلف، من أجل قطع الطريق على الهدف السامي لإنشاء جامعة الفرات في المنطقة الشمالية الشرقية من سورية بتوجيه كريم من السيد الرئيس بشار الأسد، ألا وهو دفع عجلة التنمية في هذه المنطقة إلى الأمام وجعلها تنمية شاملة ومستدامة، يقودها جيل واعٍ مسلح بالعلم والمعرفة، إذ تعمل جامعة الفرات من خلال مؤسساتها التعليمية المختلفة من كليات ومعاهد على إعداده وزجّه في سوق العمل.
وبيّن أن قوات الاحتلال الأميركي بعد أن انتهت من تنفيذ الجزء الخاص بها، والمتمثل بتدمير مقرات المؤسسات الجامعية الموجودة في جنوب مدينة الحسكة، وهي مقر كليتي الاقتصاد والهندسة المدنية ومقر إدارة فرع جامعة الفرات ومبنى معهد المراقبين الفنيين، تولت ميليشيا “ق*س*د” تنفيذ الدور المنوط بها في هذه الجريمة النكراء، والمتمثل بشقين اثنين: الأول سرقة كل محتويات المؤسسات الجامعية المدمرة من مخابر ومعدات وحواسيب وأثاث وحتى السجلات والوثائق الإدارية المتعلقة بالحياة الجامعية للطلبة، ولم تبقِ ولم تذر. أما الشق الثاني فهو الاستيلاء على مقرات المؤسسات الجامعية التي لم يطلها التدمير، كمقر كلية الهندسة الزراعية الكائن شمال غرب مدينة الحسكة.
وشدد الدكتور خليفة على أن ما حصل يؤكد أن ما تم ما هو إلا توزيع أدوار بين المحتل والعميل، المحتل يدمر والعميل يسرق ويستولي، وهذا ليس بغريب عنهما وعن أخلاقياتهما، الأمر الذي اضطر وزارة التعليم العالي لتعليق الدراسة في كل الكليات والمعاهد التابعة لجامعة الفرات في الحسكة، حتى تسليم مقر إدارة فرع الجامعة وكليات الهندسة الزراعية والهندسة المدنية والاقتصاد وكل التجهيزات والأثاث والفرش والوثائق، مع تأمين مبان بديلة لتسليمها لفرع الجامعة، وتقديم كل التسهيلات فيما يخص العملية التدريسية في هذه الكليات، إلى جانب السماح للجنة من الجامعة بتقييم الأضرار التي نتجت عن الأعمال العدوانية التي استهدفت المؤسسات الجامعية في الحسكة سواء بالتدمير أم السرقة أو الاستيلاء.