أنت رغيف خبز.. تحدث!
يحدث أن تصير خبراً متداولاً على صفحات الفيسبوك من دون استئذان ومن دون أي نية للشهرة والأضواء، إلا أن حظك العاثر -على الأغلب- سيكون المؤثر على محرك البحث لمنصة زرقاء شبه خارجة عن القانون وتكيل بمكيال عولمة يحظر ويقيد بمزاجية (مارك) والأسياد، منصة حدودها مفتوحة مشاع، يمكن لكل من هبَّ ودبَّ أن يتسلق جدرانها وينضح كأسه المعرفي الفارغ والملآن، حدَّ التدخل بتفاصيل الكوكب والساسة وعلوم الحياة، ويمكن أن يصير المغمور رائجاً على عتبات البوابات الرقمية وأثير السوشيل ميديا والفزعات الافتراضية، وبكبسة enter عاثرة يمكن زجك بحديث شارع وثرثرة صفحات، وخصك دون الجميع بمنشور أسود طنان رنان، مع التنويه بوجود حالات استثنائية لمت شمل المتابعين الأشاوس ذات يقظة إنسانية وحوّلتهم من كومبارس افتراضي لأصحاب مشورة وأدلة تفضح الجناة، وخير مثال على ذلك قضية الصبية التي راحت ضحية عنف زوجي وعم وحماة، وشهدت ضدهم بنت الجيران بمنشور أثر في التحقيقات!
الصفحات الزرقاء التي باتت مثل الغربال الوهمي يمكن أن تفرز جملاً من خرم صغير أو تساوي ما بين حبّة الحنطة والزيوان.. وهذا ما حصل يوم تعاطت تلك الصفحات مع ورقة امتحان لمادة اللغة العربية بموضوع التعبير، حيث كان السؤال:
(أنت رغيف خبز، تحدث(.
هاجت وماجت يومها الصفحات ضحكاً واستهزاء على سؤال كهذا.. ليكون الرد من دون تنويه أو إشارة لما قاله الظرفاء والناشطون، من منصة إلكترونية تعليمية لموضوع فردي أبدع فيه أحد الطلاب وهو يتحدث بلسان حال حبة حنطة خضراء صارت رغيفاً وكعكاً..
وكانت الفزعة الأدبية والذواقة لحسن توصيف ومفردات طالب المدرسة فزعة أكبر بكثير من فزعة الاستهجان قلبت وغيّرت (مود) الشباب وصفقت بأكبر عدد ممكن من اللايكات..
ما بين صورتين افتراضيتين تكمن الفوارق العشرة ظاهرة للعيان وليس من باب الدفاع عن المنصات التربوية كمؤسسة، بل من باب التعصب للتميز والإبداع، فالأغلبية يعرفون الجملة الفعلية والخبرية والجار والمجرور بالإعراب، لكن قلة قليلة يمكن لقلمهم أن يتقمص حالة ويستثمر اللغة بخير المفردات، ويحق لهم التفوق على الأقران بلمسة سؤال تجعلهم ذات منشور تحت الأضواء، فهنيئاً لطالب طوع اللغة بخمسة أسطر وسخّرها لمحاكاة دورة حياة حبة قمح يمكن أن تكون في -نظره- خبزاً للفقراء أو كعكاً للأغنياء، برسالة بسيطة تطلبت فلسفياً كتباً ومجلدات.
أما متداولو عالم الافتراض الإيجابيون فقط لهم التحية والسلام..