أيمن زيدان.. أسامةُ الجوارح «شمسُ الرجا»!

لا أدري كم كنت من العمر، حينما تسمرتُ أمام الشاشة الصغيرة أراقب محبوبي المشاكس «جلال» يبوحُ للمذيعة بالشخصية التي تمنّى الحظوة بأدائها.. لن أنسى ابتسامته الغامرة الهامسة في مسلسل “الدغري” .
وبعد مرور سنيّ الأحلام والآلام، أتأمل الآن الزمن الذي لم يطل كثيراً حتى قطف فناني المحبوب النجومَ تباعاً عاماً تلو عام، مضيئاً أفئدتنا ببأسِ “مفيد الوحش” وغرورِ “أسامة بن الوهاج”، وشغِفنا بعشقِ “ضرغام” المتقد، وحلّق بنا فوق أجنحة “هواه البحري”! راسمَاً ابتساماتنا مع “أحمد عبد الحق” و “جميل” و”سعيد النايحة”! لا بدّ أن الفنان أيمن زيدان “شمسُ الرجا الطالع من العتمات”، عرف منذ إطلالة الثمانينيات الأولى أن”الحبّ هو السّر والعمر تذكار!”.

جسارة وبأس
قاصداً البحر.. انتحرَ “مفيد الوحش” بعد خوضه آخر معاركه على كرسيّه المتحرك، مغرقاً عدوه، دافناً عجزه، مسطراً “نهاية رجلٍ شجاع” بصفحات الذاكرة معيداً للنخوة ألقها وللجسارة عنوانها بتحديات كشفت الستار عن رجولةٍ مترعةٍ بالحق والعدل دامت لسبع وعشرين ليلة وجْد، ليرحل “مفيد الوحش” ساكباً في الروح حزنها، سالباً من القلب هناءه.

من يمكنه نسيان أيام تماثِلُ حظرَ التجوال في شوارع المدن الخاوية إلا من صوت أسامة وجوارحه، الفارس المقدام الذي صنع لقبيلة الباهلي الضعيفة سطوة وجبروتاً!، لكن غروره الذي آل إلى طغيانٍ ساقَه إلى حتفه برمحٍ من يد والده: “مازالت ذراعك قوية يا أبي! أحسّ بأني لن أموت”، لم يكن مشهداً تمثيلياً بل تحفة إبداعية لـ”زيدان” فاقت الوصف والتعبير.
أما “هولاكو” الحاكم المنغولي فما رأفَ بالملايين من أهل البلاد التي غزاها، كذلك فعل بقلوبنا أثناء متابعة مسيرته الملطخة بالدماء «مسلسلٌ صنعناه في سنوات الحلم، أخرجه الصديق باسل الخطيب ولعبت بطولته مع مجموعة من الكبار، أشاهده الآن فينتابني شعورين متناقضين، شعور بالفخر مصدره ما كنا نقدمه ونحلم به، وشعور عارم بالقهر والخيبة مما وصلنا إليه»، عباراتٌ خطّها فناننا العظيم بحبر شرياننا مع كل لقطة من هذا العمل المذهل.

شاعرية ورومانسية
الإبداع الذي قدمه زيدان لم يتوان عن اقتحام القلوب بلمسات حبٍ دافئ حمله “الكابتن” إلى قريته المنسية خارج التاريخ، ليقع “عبد الله” بطل حكاية “هوى بحري” بالعشق فور وصوله، “الحب اللي بيدوم، منبع عطا وأحسن دوا، لا بيضل جراح ولا حدا بيلوم”.
حتى الغضب الذي التهب في روح «ضرغام»، صانع الفخار القوي الرافض للظلم المناهض للاحتلال الفرنسي، أخفق بإخماد فؤاده المتقد بحب «شفيقة»، حيث لاقى أمانه وخلاص دربه “رافع الآهات، راضي بالفدا” في المسلسل الرائع «أيام الغضب».

كوميديا
وعبر مواقف طريفة تناولت الفساد والرشاوى في المؤسسات الحكومية بأسلوب المضحك المبكي أصر “الدكتور أحمد عبد الحق” على الإصلاح لكن من دون جدوى، فالأمور مهما حاول “عوجا ويا ما ح نشوف”.. حركات لطيفة وضحكاتٍ مرتفعة و”هضامة” جعلت من مسلسل “يوميات مدير عام” فسحة للمتعة لا مثيل لها.
ولا ريب بأن ثلة من النساء لا ينكرن تعلقهن بـ”جميل الحمصي” الخجول من النساء، ما جعل زوجته “هناء” أبعد ما تكون عن الغيرة.. أمر أثار غيظه ودعاه لابتكار وسائل لإشعال غيرتها عبر مواقف كوميدية فشلت كلها، لينقلب السحر على الساحر حينما تحرقه غيرتها في نهاية المطاف.

استراحة مبدع
سنوات قاسية أبعدت الفنان الكبير عن العمل الدرامي بعد تألقه بمسلسلات أربعة، الجزء السابع من «باب الحارة»، «ما وراء الوجوه»، «دامسكو» و«حرائر».
شوقٌ لم يتمكن من مقاومته أكثر فأطلّ “عزمي بيك” علينا بطلاً في مسلسل “الكندوش” ليسارع عاشقنا بعدها بتشريع نافذته الخريفية مترعاً بمزيدٍ من التألق: “أذكرُ أنني حين قرأت حلقات خريف العشاق، وجدت نفسي متورطاً في نسيجٍ يرصد بصدق غير مسبوق تفاصيل مرحلة زمنية قلقة ومسكونة ببقايا أمل بحياة أكثر إشراقاً”.
فراسة وبصيرة، وفاء وأمل لا يفنيه العمر ولن ترديه السنون ليقطن أيمن زيدان شغاف قلوبنا جيلاً بعد جيل، وهو يقول: “حين قرأت العرّافةُ طالعي أخبرتني بصوتها الأجش: «أوجاع وطنك لن تطول يا ولدي، هنا في خطوط يدك تطلُ فسحةٌ ضيقة لأغنية أمل ستشدو يوماً وسط الحطام، قبل أن تغادر همست لي: حين تحملُ وطنك في قلبك فلن تشيخ أبداً».

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار