لرفض أبنائهم زواجهم مرة أخرى.. آباء يعيشون عزوبية قسرية
يرفض الأبناء في سن المراهقة والشباب زواج أبائهم ثانية بعد وفاة الزوجة أو بسبب الانفصال عنها؛ لاعتقادهم أن زوجة الأب ستحل محل والدتهم، وستكون قاسية عليهم، وستستحوذ اهتمام والدهم فيهملهم ولا يعود يهتم بهم.
وجد عادل (٥٥عاماً) نفسه عازباً رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على رحيل زوجته وأم أولاده، بعد أن رفضت ابنته الكبرى الجامعية زواجه ثانية، وبالرغم من تدخل أهل أمها، إلا أنها بقيت متمسكة بموقفها، وقد عاهدت والدها على الاهتمام بإخوتها الصغار حتى يكبروا؛ لم يشأ الأب كسر خاطر ابنته وإخوتها، واستسلم لإرادتهم التي حرمته من حقوقه الخاصة، ولاسيما أن القانون والأعراف والتقاليد السائدة تسمح له بالزواج مرة ثانية.
د.محمد عبد الله اختصاص علم اجتماع (عميد كلية الآداب بالقنيطرة) قال: حالات الذين يعيشون عزوبية قسرية بسبب أبنائهم كثيرة، فأصحابها واقعون بين مطرقة الأبناء وسندان الحياة الخاصة، وهذه الظاهرة موجودة في معظم البلدان العربية والإسلامية، وقد أقرها القانون والشرع والعرف السائد بين الناس، لكنها تتفاوت من شخص لآخر؛ البعض يرفض الزواج بعد وفاة زوجته رفضاً قاطعاً، والبعض يتزوج بعد فترة وجيزة من وفاة زوجته، لكن الأمر في غاية الصعوبة عند الرجل، الذي لديه أبناء في مرحلة المراهقة، فهؤلاء محرومون من حنان وعطف الأم، ويشكلون عقبة أمام زواج أبيهم من امرأة ثانية؛ وهناك بعض الآباء لا يعطون أي أهمية لأبنائهم، فيبادرون للزواج من امرأة ثانية، الأمر الذي يؤثر سلباً على حياتهم، فتصبح جحيماً لا يطاق، فيصبحون مشردين بالشوارع، وضحية لرفاق السوء، وينتهي بهم المطاف إلى الجنوح والفشل والتسرب من المدارس، فضلاً عن ارتكاب الجرائم، والأكثر من ذلك سينتقمون من الأب ومن المجتمع الذي يعيشون فيه.
وفي النهاية -حسب د. عبد الله- يجب على الأب أن يحكم عقله، قبل أن يقدم على الزواج من امرأة أخرى، بعد وفاة زوجته أو انفصاله عنها، لما لهذه الظاهرة من آثار سلبية على الأسرة والمجتمع.
وبالمقابل فإننا نرى حالة نرجس السيدة الأرملة مختلفة تماماً، فهي ترى أن الأم في الغالب لا تفكر في تكرار تجربة الزواج بعد وفاة زوجها، أو انفصالها عنه، حيث تكتفي بالبقاء مع أبنائها، حتى لو كانت في ريعان الشباب، في حين يختلف الوضع عندما يتعلق الأمر بالوالد، فهو سيتزوج مهما كانت الموانع والظروف.
ومن وجهة نظر د.غالية أسعيد اختصاصية الصحة النفسية، فإن فقدان الزوجة وغيابها يترك أثراً وفراغاً كبيراً جداً لا يمكن ملؤه بسهولة، وقد يكون من أحد خياراته الزواج بامرأة أخرى، فيأتي دور الأبناء وفرض سيطرتهم وهيمنتهم العاطفية على الآباء، فيحولون دون الحصول على حقوقهم النفسية والاجتماعية وحتى العاطفية، فيدخل الآباء في صراعات عديدة بين عاطفتهم وحقوقهم، وقد يستسلم غالبيتهم لرغبة الأبناء بعدم الزواج مرة أخرى، فتراه يدخل في دوامته النفسية، ناسياً حقوقه العاطفية، مهملاً لمشاعره ورغباته، وقد يتحول إلى إنسان عصبي المزاج، حاد الطباع لا يتحمل أي شيء، سريع الغضب والانفعال، أو قد يتجه إلى اللامبالاة بالتعامل مع الأبناء، يخرج سعياً عن ملذاته الخاصة بطرق غير راضية.
ومن الممكن -حسب اختصاصية الصحة النفسية- أن يشدد في الأوامر والنواهي ويشد الخناق بالتعامل مع الأبناء؛ كلها من أهم الآثار الجانبية النفسية التي من الممكن أن يتركها غياب الزوجة وعدم وجود بديل عنها؛ الفراغ- العزلة- المشاعر المزاجية- سوء الحالة النفسية وغيرها الكثير قد تخيم على حياة أي عائلة وخاصة الآباء؛ فكان من الأجدى دراسة احتياج الآباء إلى الزواج مرة أخرى، ومراعاة ظروفهم المعنوية والنفسية والعاطفية.