ربع قرن آخّر!
أنهى زين تفريغ الحمولة من كمية «البلوك» من الشاحنة ونقلها بالكامل إلى الطابق الرابع, رشف كأساً من الشاي بسرعة، يجب أن يتجه لعمله الثاني في مطعم فلافل، لديه مسؤوليات كثيرة ومتطلبات عليه تأمينها بدءاً من لقمة عيش إخوته وانتهاءً بأجرة سقف بيته .
زين يعمل على مدار اليوم، بالرغم من أن عمره لا يتجاوز الإثني عشر عاماً إلا أن الحياة «عركته» جيداً في كل مجالات العمل.. لم يتذكر من عمره إلا البحث عن عمل من محل لآخر، هو وأمثاله تحولوا إلى أطفال شيوخ بفعل الظروف الطاحنة.. تغلف وجوههم مشاعر الحزن والفقر والكآبة.. وربما عليه الانتظار ربع قرنٍ آخر ليعيش ما يشبه الحياة.
في ظل هذه الظروف المريرة من الوضع المعيشي الصعب، تراجعت آمال الأغلبية العظمى من الناس في تأمين حتى أدنى احتياجاتها اليومية بسبب الارتفاع الخيالي للأسعار، بالرغم من اتباع سياسة تقشف إجبارية حتى آخر نفس، والنتيجة من هذا الواقع المرير وصول الأغلبية من الناس الى مستويات صعبة ، وإلا ما معنى أنه حتى وجبة البطاطا التي تعدّ «لحمة» الفقراء أصبح يتعذر تأمينها للكثير من الأسر.. لتأتي آخر المطاف تصريحات وزير التجارة الداخلية باستبعاد شرائح عن الدعم علماً أن الأغلبية من الناس تقع بين حدّي الفقر والفقر المدقع، حتى سياسة التقشف المتبعة لم تجدِ نفعاً.
نعم الواقع بكل تفاصيله مؤلم, وقد لا توجد مفردات تلخص المشهد.. الوعود بتحسين الوضع المعيشي ذهبت أدراج الرياح بل أصبحت عبارة ممجوجة لا معنى لها، الآمال بانفراجات سريعة تبددت في ظل ارتفاع الأسعار الخيالي ليبقى وحدهم التجار هم المستفيدون والمستثمرون في الظروف والأوقات كلّها.
ترى هل تعمل الجهات المخططة على إعادة النظر بخططها وحساباتها، والأهم العمل على تحسين الوضع المعيشي من خلال تحسين الإنتاج.. أم إن التفكير بتحسين التعويضات والحوافز لشريحة «ذوي الدخل المهدود» أقصى ما تستطيع فعله، هل سيرمم نظام الحوافز والتعويضات رقعة صغيرة في ثوب بأكمله مهلهل..! وهل تعويض مايشبه الفتات سيؤمن وجبة فطور مؤلفة من أقراص معدودة من الفلافل.. أم علينا الانتظار ربع قرن آخر..لقد هرمنا؟!.