«الحديث حديث سلام، والفعل فعل حرب».. والحديث هنا عن الولايات المتحدة ونياتها المبيتة تجاه كل من روسيا والصين.
مع ذلك هذه ليست المعادلة المطروحة حالياً على الساحة الدولية، أي على ساحة المراقبين والمحللين لأقوال وأفعال الأميركيين منذ دخول جو بايدن البيت الأبيض رئيساً، وصولاً إلى اتفاق «أوكوس» العسكري بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا.
المعادلة التي باتت مطروحة بصورة أوضح -ضمن مجموعة أسئلة- هي: هل اكتملت تحالفات واشنطن الجديدة باتجاه القدرة على اتخاذ قرار حرب.. وإذا كان الأمر كذلك مع من ستبدأ الحرب، مع روسيا أم الصين، أم كليهما عبر توسيع ميدان الحرب، لتوريط الجميع فيها؟.. علماً أن المراقب لتحركات الولايات المتحدة العسكرية في منطقتي المحيط الهادي والهندي ومنطقة البحر الأسود يكاد يجزم بأن ميدان الحرب بات جاهزاً بنسبة خمسين بالمئة على الأقل.. ولكن ماذا عن حديث التعاون والتفاهم الذي يصدّره الرئيس بايدن إلى كل من روسيا والصين.
منذ أشهر تصعد الولايات المتحدة استفزازاتها العسكرية لكل من روسيا والصين، وبلغ التصعيد خلال الأيام الماضية مستوى خطيراً دفع معه روسيا والصين للرد والتحذير.. وإذا كان هدف التصعيد جرهما إلى خطوة عسكرية تكون مبرراً لواشنطن لإعلان الحرب -عبر مبدأ الدفاع عن النفس وعن الحلفاء- فهي فشلت في ذلك، وستفشل في الأيام المقبلة، إذ إن لدى روسيا والصين دائماً طرقاً للرد والمواجهة غير العسكرية، وتحقيق المنشود.. والولايات المتحدة أكثر من يعرف ذلك.
من هنا، ربما لن تجد الولايات المتحدة بُداً من المواجهة العسكرية، ليس على الأرض الروسية- الصينية مباشرة، فهذا ما لن تجرؤ عليه، لكنها بالمقابل لديها ميادين أخرى على التخوم تماماً، وبما يدفع روسيا والصين إلى الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة معها.
ماذا عن الحلفاء في هذه المواجهة؟
تقول أستراليا -عضو اتفاق أوكوس- من المستحيل ألا تدعم الولايات المتحدة في حماية تايوان في حال قررت ذلك. هذا ما جاء على لسان وزير خارجيتها بيتر داتون الذي أضاف: ربما ستكون هناك ظروف لن نتحدث فيها عن مثل هذا الخيار، لكنني لا أستطيع أن أتصور تلك الظروف.
وعندما يكون الحديث عن حماية تايوان، فإن المقصود هنا تحديداً وحصراً الحماية العسكرية، وهو ما قالته واشنطن على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن قبل نحو أسبوعين.. لذلك عندما تقول أستراليا إنها ستدعم الولايات المتحدة في حماية تايوان فهذا يعني تحديداً وحصراً الدعم العسكري.. حتى أن داتون كاد أن يعلن أن المواجهة العسكرية مع الصين على أرض تايوان أمر محتوم عندما قال «لا أستطيع تصور ظروف غير تلك الظروف التي تتحدث عن خيار حماية تايوان».
– وتقول اليابان أن بلينكن أكد لها ثبات التزام الولايات المتحدة بالدفاع عنها بمواجهة الصين، على خلفية قضية جزر سينكاكو التي تطالب الصين بحقها فيها.
هذا ما جاء على لسان وزير الخارجية الياباني يوشيماسا هاياشي بعد اتصال هاتفي له مع بلينكن اليوم السبت، مضيفاً إنهما أكدا التزام بلديهما بالتحالف وبالمعاهدة الأمنية التي تجمعهما والتي تمتد إلى جزر سينكاكو. فيما كانت وزارة الدفاع اليابانية أعلنت عن إجراء تدريبات مشتركة مع القوات الجوية الأميركية في مقاطعة أوكيناوا للمرة الأولى على الإطلاق.. وكانت تدريبات مشتركة جمعتهما أيضاً، جواً وبحراً شمال جزيرتي إيشيجاكي ومياكو الثلاثاء الماضي.
– بريطانيا لا تحتاج للقول، مواقفها معروفة، وهي لطالما وضعت تحالفها مع الولايات المتحدة فوق كل تحالف، وفوق كل مصلحة حتى لو كانت مصالحها الداخلية.
طبعاً لا داعي للتذكر هنا أن دائرة الحلفاء أوسع من الدول الثلاثة السابق ذكرها، إذا ما امتد الحديث باتجاه روسيا.
أما عن القمة التي ستجمع الرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس بايدن الثلاثاء المقبل افتراضياً، فهي ستكون بغير نتائج ملموسة، حسب تصريحات مسؤول أميركي رفيع في إدارة بايدن.. إذا هل هذه القمة بمنزلة لزوم ما لا يلزم؟
بالتأكيد : لا.
هي ستكون كما قال المسؤول الأميركي إياه، بهدف أن واشنطن ستعيد الطلب من الصين «أن تلعب وفق القواعد».. القواعد الأميركية طبعاً، وأن لا تتجاوز حدودها، اقتصادياً ولا عسكرياً.. عندها فقط، سيكون حديث واشنطن مع بكين حديث سلام وليس حديث حرب.
بالتوازي.. تسعى الولايات المتحدة منذ بداية العام لجر روسيا إلى دائرة المواجهة العسكرية، بدءاً من أوكرانيا وجزيرة القرم، والطلعات الجوية في سمائها والسفن الحربية المرسلة إلى البحر الأسود.. مروراً باستخدام بولندا لاختلاق أزمة بين روسيا وأوروبا على خلفية اللاجئين المتواجدين على الحدود البيلاروسية، فيما الواقع أن المهاجرين يتسللون إلى دول الاتحاد الأوروبي من كل الجهات ومنذ سنوات.. وصولاً إلى افتعال أزمات بين روسيا ومجمل الدول الأوروبية.. والهدف تشتيت الجهود الروسية على عدة جبهات.. والأمر نفسه تفعله مع الصين.. وعندما تحين المواجهة المباشرة تكون كلاً من الصين وروسيا أضعف، فيسهل على الولايات المتحدة فرض شروط عليهما وإذا لم ترضخا يأتي هنا.. فعل الحرب.
هذا ما تخطط له واشنطن وتعتقد أنها ستنجح.. متجاهلة أن لروسيا والصين حديث أخر مسموع .. وفعل محسوب، وهما حتى الآن تسجلان مكاسب مستمرة باعتراف كبار المسؤولين الأميركيين.