زواج الأم بعد وفاة زوجها هل يضمن حقوق الأبناء؟
تصطدم المرأة بعد وفاة زوجها برفض العائلة فكرة زواجها مرة أخرى، ويتهمونها بأنها غير وفية، وخانت العلاقة الزوجية التي ربطتها مع زوجها المتوفى، بينما على العكس تماماً العائلة نفسها تشجع الرجل المتوفاة زوجته على الزواج من أخرى، بحجة ألا يتشتت الأولاد، فما هو موقف القانون السوري من زواج الأم بعد وفاة زوجها؟ وما الآثار النفسية الاجتماعية المترتبة على هذا الزواج؟
المحامية جولييت ضائع أجابت: يحق للزوجة التي توفي زوجها الزواج من جديد بعد انقضاء العدة المقررة شرعاً، وفق أحكام قانون الأحوال الشخصية السوري، والعدة هي الأجل المحدد لانقضاء ما تبقى من آثار الزواج بعد انفصام العلاقة الزوجية، وذلك مأخوذ من قوله تعالى «ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله» والهدف من الالتزام بالعدة: التأكد من عدم وجود حمل نتيجة المعاشرة الزوجية السابقة للطلاق أو الوفاة منعاً لاختلاط الأنساب، ومدة العدة كما جاء في المادة /125 / من قانون الأحوال الشخصية ما نصه (تبدأ العدة من تاريخ الطلاق أو الوفاة أو الفسخ أو التفريق أو المفارقة في النكاح الفاسد)، في حين جاء في المادة /126 / من ذلك القانون ما نصه: (لا تلتزم العدة قبل الدخول والخلوة الصحيحة إلا للوفاة).
فعدة الوفاة سواء حصلت وفاة الزوج قبل الدخول أو بعده هي أربعة أشهر وعشرة أيام، وفق أحكام المادة /123/ من قانون الأحوال الشخصية السوري، أما عدة الحامل المتوفى عنها زوجها فتنتهي بوضع الحمل وفق نص المادة /124 / من قانون الأحوال الشخصية (عدة الحمل تستمر إلى وضع حملها أو إسقاطها مستبيناً بعض الأعضاء).
أما تأثير زواج الأم الحاضنة من الناحية القانونية، فقد نصت المادة /139/ من قانون الأحوال الشخصية السوري المعدل على ما يلي:
حق الحضانة للأم، فللأب، فلأم الأم، وإن علت (أي ارتفعت صلة القرابة) فلأم الأب وإن علت فللأخت الشقيقة، فلأخت الأم، فلأخت الأب، فلبنت الشقيقة، فبنت الأخت لأم، فبنت الأخت لأب، فللخالات، فللعمات، بهذا الترتيب ثم للعصبات من الذكور باستثناء الأب على ترتيب الإرث.
في حين نصت المادة /١٤٦/ الفقرة (٢) على أن الحضانة من حق الأم أولاً إلى حين بلوغ المحضون ١٥ سنة ومن بعدها تنتقل إلى الأب ويخيّر الولد بين أبويه.
وتسقط الحضانة عن الأم بزواجها بغير محرم من المحضون حسب ما جاء في المادة /138/ وبذلك تعود الحضانة حسب الترتيب الوارد في المادة /139/.
أما الآثار المترتبة على زواج الأم بعد وفاة زوجها فيجيب الدكتور حسام سليمان الشحاذه الباحث النفسي والاجتماعي في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بأن زواج الأم بعد وفاة زوجها (الأرملة) إذا لم يكن مخططاً له بدقة، ولم يكن مدروساً بشكل جيد فسيقود إلى مجموعة آثار سلبية على كل عناصر الأسرة، ولاسيما إذا كان لديها أبناء من الزوج الأول المتوفى، لذلك يجب الأخذ بالحسبان مجموعة من المتغيرات التي قد تؤدي إلى نجاح أو فشل هذا الزواج؛ ومن أهمها:
1- المستوى الاقتصادي والمادي للزوجة (الأرملة) المقبلة على الزواج، فإذا كانت قادرة على تحمل الأعباء المادية والمعيشية للأبناء من زوجها المتوفي، أو كان زواجها من رجلٍ آخر سيعينها على تربية أبنائها والأبناء الجدد المحتملين بعد الزواج الثاني، فإن ذلك لن يعد عائقاً في نجاح هذا الزواج، إلا أنه من المهم دراسة هذه القضية وبحثها بجدية مع جميع الأطراف المعنية (الأم، الزوج الثاني، الأبناء، أقارب الأبناء بحق الحضانة كالجد والجدة والأعمام) لضمان حقوق الأبناء من الزوج الأول المتوفى، وعدم تعرضهم للإقصاء أو الحرمان المادي والمعيشي من زوج الأم، الذي من المفترض أن يكون أباً ثانياً لهم، ويتحمل جزءاً من مسؤوليتهم المادية وحياتهم المعيشية، وهذا يعود إلى مدى تقبل الزوج الثاني المُرتقب لهذا الوضع، ومصارحته جدياً في هذا الواقع، ولاسيما إذا تقبل أقارب الأبناء هذا الوضع وتمت دراسته بوضوح فيما يتعلق بحق حضانة الأبناء بعد زواج الأرملة من رجلٍ آخر.
2- قيام الأم – قبل إقدامها على الزواج من رجلٍ آخر – بدراسة مدى تقبل أبنائها لزوج أمهم الثاني، وذلك من النواحي النفسية والانفعالية والاجتماعية، وهذا يرجع إلى عمر الأبناء ومستوى النضج في قدراتهم العقلية والمعرفية والاجتماعية، حيث يجب على الأم وزوجها الجديد مصارحة الأبناء بهذا الزواج، وتقديم الزوج الثاني بطريقة واضحة وصريحة، واستيعاب مدى تقبلهم له أم لا، وما إمكانية نجاح حياتهم الأسرية فيما إذا كان هناك تخطيط لإنجاب أبناء آخرين من زوجها الثاني، وهل سيقوم الزوج بتمييز أبنائه عن أبناء زوجته، وغير ذلك من القضايا التي تتعلق بالتقبل الاجتماعي والتعايش الأسري في وضع مختلف عن الحياة الأسرية المعتادة لزوجين أصيلين.
3- دراسة مدى تقبل المجتمع المحيط (أبوها، أمها، إخوتها وأخواتها، وأقارب زوجها المتوفي، الأصدقاء..إلخ)، وهذا يعود إلى مجموعة اعتبارات أهمها عمر الأم الأرملة، وعمر أبنائها، ومستوى الوعي الأسري، وهل هذا الزواج الجديد سيدعم الحياة الأسرية للأطفال أم لا؟ وهل ستتبعثر عملية التنشئة الأسرية للأبناء؟ وأسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات واضحة قبل الإقدام على الزواج الثاني.
ويتابع الشحاذه: إن بحث تلك القضايا الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والانفعالية لجميع الأطراف المعنية بواقعة زواج الأرملة من رجل آخر لا يقف عند عدة سنوات مقبلة، لكن الأمر يجب دراسته من زاوية مستقبل الأسرة من منظور بعيد المدى، إذا ما أردنا أن نرسم حياة سعيدة للأم وأبنائها وزوجها الثاني وأبنائه المرتقبين، فمن القضايا المهمة التي يجب طرحها على طاولة البحث في هذا الموضوع الشائك ومتعدد التفاصيل، والذي يأخذ أوضاعاً نسبية نوعاً ما باختلاف الأمزجة ومستوى الوعي الثقافي والاجتماعي والمعرفي لجميع الأطراف، فأصل الموضوع في مقدمته ونتيجته هو السعي لتحقيق الاستقرار النفسي والاستقلالية للأسرة في إطار الوضع الحالي (زواج الأرملة من زوج آخر)، باعتباره وضعاً قد يكون غير مألوف ولا سيما على الأبناء، وقد يسبب حالة من الكبت والاضطراب والألم والوحدة والشعور بالعجز وعدم السيطرة بعد غياب الأب المتوفي، وقد يسبب للأبناء – إذا كانوا في مرحلة الطفولة أو المراهقة – حالات عدوانية وإسقاطات ستؤثر في نمو الشخصية مستقبلاً، فليست العبرة مثلاً أين سيعيش الأبناء بعد وفاة والدهم في منزل الأم بعد زواجها من رجل آخر أو في منزل من يمتلكون حق الحضانة كالجد أو الجدة أو الأعمام، لكن العبرة تكمن في نوع ومستوى التنشئة الأسرية ومدى تحقق معالم الصحة النفسية والاستقرار الانفعالي والاجتماعي لهم بعد واقعة الزواج هذه، ومدى قدرتهم على استيعاب متغيراتها، والعيش في علاقة متوازنة مع الأم وزوجها الثاني، بما لا يؤثر فيهم سلباً في المستقبل، ويجب الأخذ بالاعتبار أن كل هذا النقاش في موضوع زواج الأم الأرملة من رجلٍ آخر بعد وفاة زوجها الأول يجب أن يصب في مصلحة الأبناء أولاً.
ويتابع الشحاذه: إن ما قيل عن زواج الأم الأرملة من رجلٍ ثانٍ بعد وفاة زوجها الأول، لا يختلف كثيراً عن إقدام الرجل من الزواج بامرأة أخرى بعد وفاة زوجته الأولى، فعليه أن يكون واضحاً مع أبنائه في هذه القضية، ويصارحهم بها بشكل شفاف، ويضمن حقوقهم أمام زوجته الثانية المُرتقبة، ويدرس مدى تقبلهم لها كأم ثانية من النواحي النفسية والانفعالية والاجتماعية، بدلاً من أن تكون زوجة الأب الظالمة، فمصلحة الأبناء في هذا الزواج من عدمه هي الأهم، وهي التي يجب أن توضع في ميزان العقل والمنطق والأخلاق الأسرية.