سفر الأبناء للدراسة الجامعية يترك أثاراً نفسية على الأسرة

يصطدم بعض الأهالي بحقيقة مغادرة أبنائهم للمنزل بهدف إنهاء الدراسة الجامعية، بعد أن كانوا لوقت طويل يشاركون أخواتهم تفاصيل جزئية في حياتهم، فلا يستوعبون أن أبناءهم الذين كانوا يعدونهم صغاراً سيستقلون بحياتهم، ليبدؤوا حياة جديدة يتحملون فيها مسؤولياتهم كاملة، وعلى الرغم من أن إتمام الدراسة الجامعية، حلم يراود الشباب وهاجس عند بعض الأهل، إلا أن تبعاته النفسية على أفراد الأسرة قد تصل حد الاكتئاب، خصوصاً إذا كان الابن أو البنت وحيداً أو أصغر الأبناء .
السيدة أمل لم تستوعب إلى الآن كيف أنها أوصلت ابنتها بيدها إلى السكن الجامعي، وهي لن تنسى تفاصيل ذلك اليوم، فقد انهارت من البكاء ما دفع الطالبة إلى التفكير في مغادرة السكن الجامعي والالتحاق بأسرتها، لولا أن أختها الكبرى أقنعتها بالبقاء وتحقيق حلمها بالحصول على الشهادة الجامعية .
وفي رأي عبد الله خريج جامعي حصل على شهادته من جامعة حلب حتى لو رحب الأهل بسفر الأبناء لتلقي العلم، في النهاية ستبقى مشاعر القلق والهواجس تعذبهم، خوفاً عليهم من المجهول بينما سيعاني الأبناء الغربة، واختلاف البيئة والثقافة، وستبقى قائمة الوصايا والتحذيرات والإرشادات التي يزودهم بها الأهل يحملونها في القلب والعقل حرصاً على سلامتهم.
وأكدت نبيلة أم لطالب يدرس في دولة عربية شقيقة أنها تفكر يومياً بمصير ابنها البعيد عنها، خصوصاً مع اقتراب فصل الشتاء، فهو لم يتعود مغادرة منزل العائلة من قبل، ولم يتحمل المسؤولية طوال حياته، فكيف سيفعل اليوم وهو لا يجيد الطبخ ولا حتى غسل ثيابه.
وتبين أن زوجها دائماً يشجع أبناءه وبشدة على أن يصبحوا مستقلين، إلا أن تجربة مغادرتهم المنزل يمكن أن تكون مؤلمة بالنسبة إلى الأهل، حيث يمكن أن يواجهوا صعوبة في اختفاء أبنائهم فجأة، بعد أن كانوا يعيشون برعايتهم في المنزل، وقد يشعرون بالحنين إلى كونهم جزءاً من حياتهم اليومية، بالإضافة إلى مرافقتهم المستمرة لهم.
د. منال الشيخ أستاذ مساعد بقسم الارشاد النفسي جامعة دمشق، بينت أن غياب الأبناء عن أسرهم لأسباب متعددة، منها حصولهم على الشهادة الجامعية يشكل ضغوطاً نفسية على الأهل، والضغط النفسي من المفاهيم الشائعة لدى الإنسان العادي المتخصص، وأصبح هذا المفهوم من مفردات العصر الحالي، ولعل من أبرز ما يواجه الأهل عند مغادرة أبنائهم وسفرهم الضغط النفسي، والذي يعد من المشكلات التي تهدد طاقة وصحة وحياة الأهل هذا ويتطلب من الأهل إعادة التوافق والتكيف مع الحدث الجديد، والشعور بالفراغ العاطفي الذي قد يكون نتيجة الغياب، وتعد الصلابة النفسية أحد المتغيرات الإيجابية التي من شأنها مساعدة الفرد على الوقاية من الأثر النفسي والجسمي، الذي ينتج عن التعرض لضغط الغياب، والذي يبعث على الشعور بالفقدان، وإن غياب الصلابة النفسية يقلل من قدرة الآباء على مواجهة الضغوط .
ليس هناك أدنى شك من أن غياب أي فرد من أفراد الأسرة سيمثل حالة مؤلمة وهزة عاطفية، سيكون لها تأثير سلبي على الاستقرار النفسي والاجتماعي على الأسرة بشكل عام، وهذا الحرمان نتيجة فقدان أو غياب فرد من الأسرة يولد لديهم شعوراً بالضغط النفسي، والقلق الدائم على مستقبل أبنائهم والخوف من عدم الإنجاز وتحقيق أهدافهم.
وفي رأي عدد من الأهالي الذين التقيناهم، واتفقوا على أنه بعد إتمام المرحلة الثانوية، غالباً ما يبتعد الطالب عن أسرته لخوض حياته الجامعية، حيث تكون الجامعة غالباً بعيدة عشرات الكيلومترات عن سكن عائلته، أو يختار السفر إلى الخارج لتحقيق أحلامه الأكاديمية والمهنية، وهذا الابتعاد وإن كان يقدم للطالب آفاقاً اجتماعية وفرصاً علمية جديدة، إلا أنه يؤرق الأسرة، وخاصة الأم التي يبقى قلبها معلقاً بابنها لغاية عودته، فطبيعة العلاقات بين أفراد الأسرة تتغير بابتعاد أحدهم، وتتحول عواطف الأم إلى الابن المغترب، حيث تتحول مشاعر الفقد إلى محور اهتماماتها، ملغية بذلك مشاعرها نحو الآخرين الموجودين حولها، وقد يتحوّل التنقل للالتحاق بالابن والاعتناء به، بين الفينة والأخرى من أهم مشاغل الأم، ومسرباً آخر لمصاريف جديدة تضيفها على مصاريف دراسة الابن، التي تمثل عبئاً جديداً على الأسرة لم يكن موجوداً في الماضي.
فسفر الأبناء في حد ذاته ظاهرة صحية، تكشف عن نجاح الابن أو الفتاة، والرغبة في خوض معترك الحياة بعيداً عن العائلة، لذلك يجب ألّا نشجع الأم على المبالغة في عيش تجربة مغادرة الأبناء على أنها تجربة فقط ، بل عليها أن تعيشها بشكل أقل عاطفية وأكثر عقلانية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار