سيرة «الحماية» ليست بالضرورة أبداً أن تكون سيرة تحريضية تحمل ما تحمله من غمز ولمز لعلاقات متشنجة تربط الكنة أو الصهر والحماية.. فجملة «حماتك بتحبك» مثلاً هي جملة تحبب وتودد المقصود فيها الكرم والإصرار على عزيمة من مرّ بالدار وقت الفطور أو الغداء أو أكلة حلويات وعوامة وشعيبيات.. «حماتك بتحبك» تعودنا على قولها بقلب كريم مضياف مثلها مثل جملة (الشاي ع النار) و(حوّل) و(اتفضلوا اكسروا السفرة معنا) و(ركوة القهوة دايماً مليانة) وفوقها صحن صغير يغطيها كي تبقى حرارتها مناسبة في حال طرق الباب أحد الجيران، حتى في السوق وأنت الزبون الغريب عن أصحاب المحال إن صادف مرورك لشراء بعض الحاجيات والعمال يفطرون (مسبحة وبندورة وخيار) ستتقاسم معهم لقمتهم على حبّ النبي وأصحابه الأخيار.
أيام البركة تعدت كوننا شعباً مضيافاً وكان فيها مكان مخصص لـ(المونة) في المدن والأرياف و لشدة تنوع ما فيه كنا نطلق عليه اسم (بيت المونة) تتفاخر فيه النسوة بما صنعته أيديهم وهندسة (قطارميزه) بكل إتقان، كل حسب ذائقته وطريقته بعرض فنون مطبخه ومونة الشتاء من مكدوس وزيتون وجبنة ومخللات وبامية وفليفلة وبيتنجان يابس معلق على الحيطان حتى البندورة الشرائح مغلفة بعد تيبيسها أو تشميسها على السطوح بصواني المطبخ وأخرى مستعارة من الجيران..
أيام البركة كانت شجرة الدار مشاعاً لكل الجيران وحبات المشمش والبرتقال يأكل منها أطفال الحي وذووهم كأنهم هم أصحاب الدار وجملة الله يبارك له كانت تزيد من حمولتها كل عام.. والبساتين والكروم مفتوحة لمن مرّ فيها واشتهى، وإن كنت من أصحاب الحظوظ ومرضي الوالدين لاقاك صاحب البستان وحمّلك بضعة كيلوات فواكه وخضرة بستان..
أيام البركة مونة العروس كانت على أهلها وتصل دارها كل عام.. وتتفاخر الصبية بين أهل زوجها بما رصّته لها والدتها من (قطارميزات) منوعة تكفيها وزوجها والأولاد.. أيام البركة كانت الأمور على قد الحال والجيبة مكتنزة رضا وكرماً وادخاراً… والجميع قلبٌ واحد، و«بيت الضيق بيوسع ألف صديق»… لكن ما حصل أنه في سنوات الحرب على بلدنا جار علينا الزمان!.