التطورات الأخيرة التي شهدها السودان نتيجة الانقلاب العسكري، والذي أدى لحل مجلس السيادة الانتقالي والحكومة، لا يمكن النظر إليها، بعيداً عن المؤثرات الخارجية، ولاسيما أن الفوضى المترتبة على المشهد السوداني هي جزء من إستراتيجية الفوضى المُعدّة للمنطقة والتي تعيشها.
في المشهد ردود أفعال وتنديدات حتى من واشنطن، في حين قراءة الخفايا تقود بطريقة أو بأخرى إلى اليد الأمريكية، وإن لم تكن واضحة تماماً، لكن تاريخ واشنطن الحافل بالتدخلات يقودنا إليها.. صحيح أن أدوات واشنطن في السودان انقلبت على بعضها البعض، إن صح التعبير، لكن على ما يبدو أنها فاضلت فيما بينها واختارت الأنسب لخدمتها مرحلياً وفقاً لتقديرها.
لماذا التفكير بواشنطن عند كل حالة الفوضى؟، لأن الفوضى خطط أمريكية لديمومة عدم الأمن والاستقرار، وهي مخطط لها ومدروسة بدقة، أحد أسبابها في السودان أنه بلد غني بالثروات والموارد الطبيعية، إذ الغاية الخارجية وبالأخص الأمريكية، إفقار الدول وشعوبها وحرمانها من إمكانية استغلال واستثمار ثرواتها ومقدراتها بما يخدم تنميتها المستدامة ويحفظ سيادتها واستقلالها بعيداً عن التبعية للخارج.
.. وفي الأسباب الأخرى، ولتوسيع الصورة أكثر، فالموقع الإستراتيجي للسودان يجعل منه داخل التجاذبات والتنافس السياسي والاقتصادي بين القوى الدولية الكبرى، من هنا قد تكون الغاية الأمريكية الكامنة خلف الفوضى السائدة في السودان، عرقلة الطريق أمام روسيا والصين.
السودان محطة إفريقية مهمة للصين التي ترتبط معه بعلاقات سياسية واقتصادية ليست بالقليلة، إضافة إلى إطلالته المهمة على البحر الأحمر أهم الممرات المائية الإستراتيجية بالنسبة لمبادرة الحزام والطريق الصينية، وبالنسبة لروسيا وقعت اتفاقاً للتعاون العسكري مع الحكومة السودانية، إلى جانب اتفاق لإنشاء قاعدة بحرية روسية في ميناء بورسودان، وهذه المعطيات مجتمعة تشكل حالة من القلق والتحدي بالنسبة لواشنطن ولنفوذها ورغبتها بالتفرد وبسط سيطرتها، في منطقتي البحر الأحمر والقرن الأفريقي، كما بات واضحاً.
مع اتضاح الصورة، نجد أن الفوضى جزء أساس في معركة النفوذ الأمريكية والصراع الدولي، مع فوارق جوهرية، أن أمريكا استعمارية تبني قوتها من ضعف الشعوب وإفقارها وديمومة النزاعات والاضطرابات، بينما القوى الدولية الأخرى مثل روسيا والصين تبني قوتها عبر التعاون المشترك والنهوض معاً وهو في صلب إستراتيجيتهما.