لم يتوقف يوماً اقتلاع الأشجار لبيعها لتجار الحطب لكن الخطر في الموضوع اقتلاع شجرة الزيتون من الجذور لبيعها, هي ربما حلقة متممة للحلقات التي سبقتها من تدمير ممنهج بشكل أو بآخر للقضاء على اقتصاد البلد سواء بقصد الربح أو لأهداف أخرى ..! تارة بافتعال المئات من الحرائق التي التهمت ٥% من مساحة سورية وتارة أخرى بنشر داء الطفح الجلدي الذي تسبب بنفوق المئات من رؤوس الأبقار والآن جاء دور أشجار الزيتون، حيث تم اقتلاع المئات من قريتي تيشور والمصطبة في ريف طرطوس تحت ستار التجارة وبيعت هذه الأشجار للحطب بغرض التدفئة.. لكن السؤال الذي يجعلنا نضع إشارات استفهام كبيرة حول شرط التاجر لشرائها لتلك الأشجار قلعها من الجذور.. وهنا يذكرنا الباحث التنموي أكرم عفيف بالشبه بقصة نفوق مئات الأبقار التي حدثت العام الماضي أنه يوجد أناس هم أدوات داخلية يعملون بإشارة من الخارج يشترون البقرة بخمسين ألف ليرة والرأس الذي يؤكد ذبحها يباع وحده 250 ألف ليرة ..
حاولنا من خلال اتصالاتنا مع المعنيين والأهالي لجمع ما يمكن أن يوضح لنا أبعاد هذه القصة ..
وحده الفقر
وحده الفقر هو من دفع بالمزارعين إلى بيع أشجارهم التي هي أساساً تعني لهم الكثير, لأنها جهد وتعب أجيال متلاحقة إلا أن الأوضاع المعيشية الصعبة التي تعيشها الأغلبية الساحقة هي من دفعت لبيع الأشجار، يضيف ياسر البودي من قرية المصطبة أنه لدى المزارعين أبناء يدرسون في جامعة طرطوس وتكاليف المواصلات اليومية تحتاج بما يوازي راتباً شهرياً, ناهيك بالمتطلبات الأخرى لذلك عندما يدفع التاجر مبلغاً مغرياً للشجرة ما بين مئتي ألف إلى أربعمئة ألف ليرة بالتأكيد لن يتردد أي فلاح بالبيع ويتم غرس الأشجار الصغيرة على أمل التعويض .
للسماسرة
في معلومات سبق أن تداولتها وسائل الإعلام نقلاً عن مصادر أهلية أن عملية قلع أشجار الزيتون التي شهدتها قرية المصطبة وأراضي قرية تيشور الملاصقة لها منذ أشهر وحتى الآن ذهبت لصالح سماسرة وتجار.
وبيّن الأهالي أنه تم قلع مئات الأشجار بـ(الباكر) بأيدٍ عاملة وبيعت للتجار بمبالغ تراوحت بين 75 ألفاً و150 ألف ليرة لكل شجرة حسب وضع الشجرة، فيما تم بيع طن الحطب في الأرض بأكثر من مئتي ألف ليرة بعد أن أحضر السماسرة والتجار شاحنات (انتر) ونقلوها إلى جهات يعتقد أنها خارج المحافظة.
أحد المواطنين أكد أن بعض أبناء القرية المقيمين في طرطوس وأوضاعهم المادية ممتازة قاموا ببيع أشجارهم القديمة أو الهرمة، فيما قام جزء من سكان القرية ببيع أعداد وأحجام مختلفة من أشجارهم بسبب الحاجة والعوز، مؤكداً أنه تم إعلام المحافظة بما يحصل منذ أكثر من أسبوع ونتيجة ذلك تم القيام ببعض الإجراءات التي أدت لتراجع القلع والبيع لدرجة التوقف .
بشكل قانوني
لم يتوقف الأمر على قلع شجرة الزيتون وإنما امتد إلى أشجار أخرى فقد سجل أكبر رقم بيعت فيه شجرة البلوط بمبلغ مليون ونصف مليون ليرة في ريف المحافظة، إذ يؤكد أبو كنان من أهالي المحافظة أن هذه الشجرة المعمرة بيعت بشكل قانوني برخصة رسمية كما هي بقية الأشجار التي تتطلب رخصة من مديرية زراعة المحافظة كأشجار الدلب والسنديان والزيتون والسرو وغيرها .
مسح شامل
يؤكد م. محمد حسن مدير الإنتاج النباتي في زراعة طرطوس أنه تم إجراء مسح شامل من قبل الوحدات الإرشادية في قريتي تيشور المصطبة حيث تبين أنه تم قطع 259 شجرة فقط في قرية تيشور تعود ملكيتها لـ 52 مزارعاً وهي في أغلبيتها أشجار معمرة وتم تنظيم ضبوط بحق المخالفين، وأضاف: كذلك الأمر في قرية المصطبة حسب الضبوط تم قلع 250 شجرة زيتون وهي للاستخدام الشخصي بغرض التدفئة مشيراً إلى أن هناك تشديداً بموضوع القلع وتتم الرقابة من خلال المخافر الحراجية ويتم توقيف أي شخص يثبت أنه يقطع شجرة بشكل غير قانوني .
لا سلطة للمخافر الحراجية ..!.
يخالف تمام عصفور رئيس مخفر تيشور الحراجي الرأي للزراعة مبيناً أنه ليس للمخافر أي سلطة رقابية على قلع أشجار الزيتون التي تعود ملكيتها للمزارعين, إنما تنحصر مهامنا كمخفر حراجي حول حماية المواقع الحراجية ومنع التعدي على الأراضي التي تعود ملكيتها للدولة مشيراً إلى صعوبة المهمات التي ينفذونها، إذ يتبع لبلدة تيشور وحدها 30 قرية ومساحات الغابات كبيرة مثلاً تصل مساحة الغابة نحو 430 دونماً يتم مراقبة الأشجار بما فيها الزيتون ويصل الأمر حدّ الاشتباك مع عصابات الحطب (الحطابين) الذين يدخلون ليلاً للغابات, ناهيك بوعورة الطرق الزراعية, ويعتقد أن الظروف المعيشية الصعبة هي من تدفع بالناس لبيع ما تملك حتى الأشجار لتأمين لقمة العيش لأبنائها, مبيناً أن سعر الطن الواحد من الحطب كان يباع سابقاً بـ 15 ألف ليرة في حين ارتفع سعره حالياً إلى 400 ألف ليرة .
إلى محافظة اللاذقية
يؤكد م. نواف الشحاذة مدير زراعة اللاذقية أنه لم تسجل أي حالة قلع لشجرة الزيتون, مؤكداً أن هذا الموضوع لم يتم إلا بموجب رخصة رسمية بعد أن تنطبق عليه شروط القلع في المناطق الزراعية على مدى المحافظة, شرط أن تكون هذه الشجرة لم تعد مجدية اقتصادياً أو أنها أصبحت هرمة أو مريضة..الخ. (هذا التصريح قبل استقالته ).
حلول استراتيجية
الباحث التنموي أكرم عفيف ذهب أبعد من أن الموضوع بيع أشجار للتدفئة ..! مبيناً أن ما حصل ويحصل في ريف طرطوس من اقتلاع أشجار الزيتون هو جزء من الحرب على سورية بهدف تدمير اقتصادها ومنتجاتها, وهذا قد تكون له أيدٍ داخلية وخارجية تأخذ الشجرة لبيعها في الخارج مشيراً إلى الظروف المعيشية الصعبة التي يدفع ثمنها الفلاح بسبب ارتفاع مستلزمات الإنتاج التي تشكل أداة ضغط على الفلاح خاصة إذا ما عرفنا أن تكلفة زراعة الدونم الواحد ٧٠٠ ألف ليرة.
ومن أهم الحلول الاستراتيجية التي طرحها الباحث التنموي عفيف الاهتمام بالفلاح في كل المجالات وليس فقط في الزراعة وتربية المواشي و العمل على التأمين على البقرة للفلاح متسائلاً: لماذا لا يتم تأمينها فهي بالنسبة للفلاح رأسماله ومصدر رزقه وتالياً هي أساس الاقتصاد الزراعي في حين نرى سيارات المسؤولين مؤمناً عليها..؟!.
والنقطة الثانية التي اقترحها: تشجيع الفلاح بكل المحاصيل وليس بالزيتون من خلال إقامة معامل العصائر متنقلة ومرافقة للفلاح في مختلف المواسم كموسم التفاح وغيره .
ويدعو عفيف الجهات الحكومية إلى دعم الفلاح ليس فقط في تأمين مستلزمات إنتاج محصول الزيتون, وإنما في كل المحاصيل يجب دعمه وتأمين مستلزمات الإنتاج حتى لا يخسر متسائلاً كيف يكون سعر ليتر المازوت أربعة آلاف ليرة في السوق السوداء.. ومطلوب من الفلاح أن يعطي ويعمل ويصمد في أرضه؟! ولاسيما أن الهدف حالياً هو محصول الزيتون الذي كانت سورية تفاخر به وتنافس فيه العالم خاصة إذا ما علمنا أن سورية تحتل المرتبة الأولى في الوطن العربي في إنتاج الزيتون و المركز الرابع عالمياً بإنتاج زيت الزيتون..