عناوين متفوقة

تتفوق بعض العناوين لتصنع مساراً خاصاً بمقاصدها وتأويلاتها، من دون أن يعني ذلك بالضرورة مُجافاة المضمون أو مُجاراته، معطيةً القارئ فرصة ليقترح أو يتخيل ما يُمكن أن يكون عليه الداخل، ويصبح إن صح التعبير شريكاً في الكتابة، قادراً على افتراض شخصيات وأحداث وحبكة، أرشدته إليها مفردة أو عبارة، وعلى ذلك اتسمت عناوين بالغرابة أو المَجاز أو التكثيف، فيما كانت أخرى جزءاً مما ورد في المضمون أو اسماً لبطل العمل أو بطلته، أما الأهم فهو أن تجد طريقها إلى الذاكرة كما في العنوان الشهير «أبي فوق الشجرة» للكاتب إحسان عبد القدوس، و« وليمة لأعشاب البحر» للكاتب حيدر حيدر.

في التشكيل تحضر عناوين محددة منها «الصرخة» لوحة الفنان النرويجي ادفار مونش، والساعات المتساقطة أو الزمن لوحة «سلفادور دالي». لكن، في المقابل يستغني الرسامون والنحاتون عن العناوين لصالح الأعمال الفنية نفسها معظم الأحيان، إذ يخشى هؤلاء أن يُسهم العنوان في تأطير المُنتج والحدّ من قيمته واستطالة أثره، وإن بدا هذا هروباً من اختيار عنوان لكنه اعترافٌ مُعلن بما يمكن أن يضيفه أو يستولي عليه مما أنجزوه، لذلك يُفضلون التعريف بأعمالهم عن طريق شرح طبيعة المواد التي صُنعت منها أو تاريخ انتهاء العمل عليها، وهي أيضاً أساليب تُقارب الغاية من العناوين كدلالات وعتبات تختصر وتُوجّه.

يرى البعض فرقاً جوهرياً بين عنوان كتاب وعنوان عمل فني، ففي الأول نتخيل الحكاية عبر الجُملة أو العبارة أما في اللوحة فالمشهد مُقدمٌ لنا بالفعل، وكل ما علينا هو فهم معناه فقط، إشارة إلى عدم الوضوح الذي يعد سبباً رئيساً في قلّة الاهتمام بمعارض التشكيل عموماً قياساً بما تلقاه الآداب من احتفاء جماهيري، يُرى عادة في ترجمة وطباعة بعض القصص والروايات لمئات المرات.

الإشكالية الوحيدة تكمن «ربما» في اختيار عنوانٍ لا يوازي أي مُنجز تشكيلي أو أدبي في رحابته وسعة أُفقه وتعدد تفسيراته، كما لو أنه عائقٌ أولي لا سبيل إلى تجاوزه إلا مع شهرة صاحبه واندفاع المهتمين للقراءة والفرجة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار