كيف نعيد ثقافة الإنتاج؟
تظهر بشكل متسارع وشبه يومي مؤشرات كبيرة على يأس قوى العدوان أمام إرادة السوريين وعزيمتهم وصبرهم وإيمانهم بوطنهم وقيادتهم والخيارات الاستراتيجية الثابتة.
لهذا فالأمور الأمنية والعسكرية والسياسية في أيدٍ أمينة وتتجه نحو إبراز النصر على الإرهاب بشكل واضح خلال فترة لن تطول، وما يهمنا حالياً هو الوضع الاقتصادي الذي أثرت فيه خلال العقد الماضي عوامل كثيرة داخلية وخارجية تمت مناقشتها كثيراً، أدت إلى حدوث تغييرات جوهرية في ثقافة مجتمعنا الاقتصادية بشكل عام، وآلية تفكير قطاع الأعمال الذي يتجه دائماً نحو الاستثمارات الآمنة خالية المخاطر.
الجميع يذكر الأزمة المالية العالمية التي أصابت العالم عام 2008 والتي أثرت في جميع دول العالم من دون استثناء، لكن مدى تأثر كل دولة ارتبط بمقدرات اقتصادها الحقيقي ( الزراعة والصناعة) وما كانت تنتجه الدول من سلع حقيقية بعيداً عن المنتجات المالية «الورقية» التي دمرت اقتصادات الكثير من الدول في حينه وفي مقدمتها المشتقات المالية، وجميعنا يذكر كيف كانت النتائج السلبية على اقتصادنا شبه معدومة لما كان يتمتع به من تنوع وإنتاج غزير صناعي وزراعي، وحتى خدمي لخدمة الاقتصاد الحقيقي.
أما اليوم للأسف فإن عناصر الاقتصاد الحقيقي تعاني من صعوبات كبيرة دفعت أصحابها وفعالياتها إلى هجرها والابتعاد عن الإنتاج الحقيقي والتوجه نحو اقتصاد الخدمات والتجارة لما تحققه من عوائد كبيرة خلال فترات زمنية قصيرة، وحتى المهارات والخبرات العلمية والحرفية تركت مجالاتها الأساسية واتجهت نحو القطاعات الخدمية والتجارة حتى لو كانت المتاجرة بالمواد المدعومة؟!
فمعظم المشروعات التي يفكر فيها شبابنا ورواد أعمالنا باتت ترتكز على شراء وسائط نقل عامة أو خاصة والعمل في النقل العام واستغلال ارتفاع الأسعار وحاجة المواطنين، أو بالحد الأدنى المتاجرة بمخصصاتها من المحروقات من دون العمل، ونسبة أخرى اتجهت لافتتاح مطاعم وأماكن تسلية موجهة لفئة عمرية وطبقية معينة.
لهذا فنحن بحاجة إلى استراتيجيات وطنية هائلة ومتكاملة، تشجع قطاع الأعمال على العودة إلى الإنتاج الحقيقي، وتشجع أيضاً طبقتنا العاملة على العودة إلى ورشها ومعاملها، هذه الاستراتيجيات يجب أن تبنى على تقديم الدعم للاقتصاد الحقيقي بشكل مدروس، وحماية منتجاته من المنافسة الخارجية بفرض الضرائب والرسوم الحمائية، لأننا إن لم ننفذ ذلك سنقع ضحية للكباش الاقتصادي المتوقع بين الدول الكبرى والذي لا رحمة ولا عزاء فيه للضعفاء غير المنتجين.