“دمشق.. يا بسمة الحزن”
كانت الدار في ذلك المساء الربيعي وكأنها في لحظات التجلي الخارقة لقد ذوَّقها نيسان كفنان أهوجَ بعثر الألوان.. فإذا هي سيمفونية متناغمة.
أزهار البنفسج تنحدر على الجدران شلالات ثلج أبيض، والنفنوفة الحمراء تتسلق سلم الياسمينة الصفراء التي سطت على الدالية ونسجت فوق العريشة مظلة موشاة بالأصفر والأخضر, البحرة تحتضن القمر, النافورة تردد أغنيتها الرتيبة الموزونة.. زهر الليمون والنعناع ينشر في الجو عبقاً يغري باسترخاء لذيذ.
بهذا الوصف الجميل للبيت الدمشقي تبدأ الأديبة إلفة الإدلبي روايتها عن صبية تدعى صبرية هذه الفتاة الدمشقية التي لم تتزوج كرمى عيون والدها المريض الذي رعته لعشر سنوات, وبعد أن مات الأب أصبحت تلك المرأة الطيبة الحنون عبئاً ثقيلاً على أخويها…
وتتابع القصة أحداثاً كثيرة في زمن صعب يعاني فيه الناس من همجية المحتل الفرنسي ويقاسون شظف العيش.. لكن الأحداث الشائقة ليست هي وحدها من يجعل لهذه الرواية مكانتها المرموقة وإنما الكتابة العذبة السلسة التي تأخذك لتعيش في أحداث القصة وتشاهد أبطالها وتعيش معهم بخيالك, ثم ما تلبث أن تصبح عينك كاميرا توثق وترصد ما يحدث.. تقول الكاتبة عن مشهد رقصة الدراويش في أربعين جدها :
(ظللت مشدوهة بهذا المشهد الأسطوري الرائع الذي لم يرقَ خيالي يوماً إلى تصوره، عشرة دراويش يرقصون حول البحرة في ضوء القمر بين الأشجار والأزهار على أنغام الناي وإيقاع المزاهر وكأن التحديق الطويل إلى دوران الدراويش السريع جعلني أرى كل شيء من حولي يدور ويدور.. الدراويش، الأشجار، الناس كدوران هذا الكون السرمدي ولو لم أقبض على الدرابزين لوقعت على الأرض).
قد تكون الأديبة المبدعة إلفة الإدلبي من أوائل الأديبات السوريات التي حصدت شهرة عالمية وترجمت قصصها إلى عشرات اللغات وحازت الكثير من الجوائز, وتعدّ روايتها (دمشق يا بسمة الحزن) من الروايات الأدبية التي وثقت فترة تاريخية مهمة وهي مقارعة الاحتلال الفرنسي حيث كان للمرأة ولها شخصياً دور ساهم إلى جانب رجال الدولة والوطنيين في الحصول على الاستقلال .