هل ترى عيوبك ..؟!
ما أسهل أن يرى المرء عيوب الناس وينسى عيوبه .. وليته يدري أن المرآة التي يرسم عبرها صفات أصدقائه تحدد ملامحه قبل أن تحدد ملامحهم، ورب قلة يجمّلهم الإخلاص لأصدقائهم ومعارفهم فلا يتحدثون عنهم إلا بالطيب والمسك والعنبر الذي يفوح من قلوبهم أصلاً قبل أن يكون من صفات من يتحدثون عنه.
ولعل من هؤلاء القلة الكاتب يحيى حقي .. ومما يروي عنه الأديب نجيب محفوظ, أنه فقد صديقاً له .. فحزن عليه حزناً شديداً, وعندما سأل عنه قال في وصفه:
“.. نظيف الملبس والسريرة .. بشوش, خفيف الوقع على الناس جميعاً,همه الأول أن يريح محدثه, أن يرفعه منذ أول لحظة من دنيا المصالح والشكوك والمخاوف ومقارعة الأسلحة المخبأة وراء الظهور والضحك على الذقون إلى عالم الأخوة والود والصفاء والجمال …”.
في مدرسة الحياة لا على مقاعد التحصيل نمت وزكت مدارك الكاتب المصري يحيى حقي صاحب القلم الرشيق الذي أبدع في كتابة وسرد القصص القصيرة بدءاً من قنديل أم هاشم ومروراً بالبوسطجي وكناسة الدكان وغيرها من المؤلفات الجميلة, فلم يكن يتكلم في قصصه كالببغاء أو بالنظريات, واستقى لغته حية من أفواه الناس, لا من بطون القواميس والمراجع.
يقول عنه نجيب محفوظ: كنت لا تجد إنساناً يماثله في تزايد عدد أصدقائه الحميمين, يوماً بعد يوم, بل ساعة بعد ساعة فلو شجر إنسان ليتشكل برهة عدواً له لضاع وسط هذا الزحام أو انقضى بسبب سحره فارتد سوياً وانضم الى صفوف الأصدقاء .
وأمام حديث المرء عن عيوب الصاحب وفضائله, كأنما نستعيد قولة أديب العربية الكبير(الجاحظ) :
(إذا أردت أن تعرف العيوب جمة فتأمل عياباً فإنه يعيب بفضل ما فيه من العيب …)
لنقل على منوالها إذا أردت أن تعرف الفضائل كلها فتأمل من يعرف الفضل لأهله فإنه يذكره بسبب ما فيه من الفضائل..
وكذلك كان يحيى حقي .. الذي رحل قبل 29 عاماً.
فما أحوجنا في ظل تردي العلاقات وتشويهها إلى قدوة نستظل بظلها عندما نفكر بأصدقائنا فنكون مخلصين في حفظ مودتهم .