حرب الإدراك
لا تقلق .. كل الأزمات التي تمر بنا تكسبنا مناعة ذاتية وتحفزنا على المبادرة والتفكير بكيفية الخروج من عنق الزجاجة بيسر وسهولة.. وربما تكون كثرة التحديات هي السبيل إلى النهوض من الكبوة وامتلاك الفرص والانتقال من ضفة الضعف إلى ضفة القوة.
وهكذا مرت السنوات العجاف، وبكل بسالة وشجاعة وحكمة كنا نصدّ الكرات التي يقذفها الأعداء الألداء متسلحين بالصبر الذي كان ولا يزال منذ أقدم العصور السلاح الأقوى في يد الإنسان ومن يمتلك الصبر يمتلك الحكمة والرشد والإرادة القوية التي نحتاجها أكثر ما يكون هذه الأيام ونحن في مواجهة عدو غير مرئي.
في الحقيقة لم نكن نتوقع ولا حتى في أسوأ كوابيسنا أن نواجه مثل هذا العدو الذي فرض علينا حالة من التأمل وفي ترتيب الأولويات من جديد. نعم هناك أشياء مهمة لكن ثمة أشياء أكثر أهمية ولا تحتمل التأجيل، ومن ذلك الانتباه الى حرب الإدراك التي توجه نحو عقولنا للسيطرة عليها رويداً رويداً، والشريحة الأكثر استهدافاً هم الشباب الذين يمثلون القوة الحيوية في المجتمع ويتم استهدافهم للقضاء على الأمل في قلوبهم.
لكن الأمور لا تبدو كلها سيئة، ثمة فرص جديدة لم تكن لتتاح لنا من دون خوض غمار هذه الحروب، فالتكنولوجيا الذكية أو الزاحفة يمكن أن تتحول من أداة لتدمير مجتمعنا الى أداة لإعمار المجتمع؛ المهم أن نستطيع الدخول إلى العالم الافتراضي وبناء الفريق السيبرالي السوري القادر على تحفيز الشباب وإعادة الموازين للقيم والأخلاق المجتمعية التي تمثل البنية التحتية لأي مشروع إعمار أو إصلاح .
أكاد أتخيل مواقع التواصل التي احتلت مساحات شاسعة في حيواتنا كمرآة تعكس صورنا ليس فقط الظاهرية وإنما يتجاوز المظهر إلى المضمون وإلى تلك الغرف السرية التي نطبق عليها إغلاق ذواتنا فثمة أمور لا يدركها الكثيرون بأن كل ما ينشر يستخدم من قبل محركات البحث للسيطرة على عقولنا من خلال دراسة تفاعلاتنا وأحوالنا، ما نحب وما نكره وغير ذلك في سياق توجيه حرب الإدراك و اللاوعي للسيطرة على العقول وهذه هي الحرب بشكلها المتطور فعلينا الحذر والانتباه والتفكر والتأمل بكل ما يوجه لنا من فيديوهات أو صور أو معلومات على مواقع التواصل، ومن ذلك التطور التقني والتكنولوجي المخيف والذكاء الصنعي الذي قد يتحول بيد الأشرار الى كوارث تنتشر في العالم كالوباء.
لابدّ لنا من وقفات طويلة في تأمل ما يجري في العالم وتأثير ذلك على حياتنا ..لابد من العودة إلى حالة الصفاء والتصالح مع الذات، لم يعد في المرآة مكاناً لحفنة المشاهير وصرعاتهم التي طالما أغرقت الجيل الجديد بالتفاهات.
اليوم بدأنا نسمع أصوتاً صادقة كانت بالأمس غائبة..اليوم نفتح صفحة جديدة ومن أول السطر نكتب على أوراقنا البيضاء أن مجتمعاتنا خط أحمر و كلنا أسرة واحدة ..والحقيقة التي لا تخفى على أحد أن طوق النجاة لن يتحقق إلا إذا تشارك الجميع بخبراتهم وعلومهم وكانوا على نفس متن زورق النجاة وتخلّصوا من أنانيتهم ونظروا إلى المرآة بوجه مخلص ومحب و ودود لوطنهم ومواطنيهم.