تعيش معظم حركات “الإسلام السياسي” في المنطقة العربية ضبابية حادة في الرؤية، تتنازعها جواذب اجتهاد في اتجاهات ومسارات مختلفة بين فترة وأخرى.
وقبل أن نمضي في التحليل لابد من الإشارة إلى أن “الإسلام السياسي” مصطلح جديد اقتحم الدراسات السياسية من الفضاء الإعلامي، وهو يعتمد عادة للإشارة إلى الحركات التي تمارس العمل السياسي في إطار نظرة شمولية للحياة البشرية وتعمل على إعادة صياغتها لتنسجم مع توجهات الإسلام كدين.
يقترح باحثون تعريفات عديدة يمكن أن نأخذ أحدها وهو يقول “إن الإسلام السياسي مصطلح يشير إلى تلك الحركات والقوى الدينية التي تهدف إلى تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية في السلطة، وتصبو إلى أن تكون تلك الشريعة ليست مجرد ديانة فقط بل نظاماً سياسياً في الحكم”.
بدهي القول إن واقع معظم حركات “الإسلام السياسي” يشي بقدر عالٍ من التشتت والاضطراب، ويعزز مناخات الجمود التقليدية التي رانت على فكر وتصورات هذه الحركات على مدى العقود الماضية، وحرمها دينامية الانفتاح على الواقع وتطورات الأحداث في إطار مراجعات نقدية، لم يتوسل أصحابها إلا بظاهرها القشري بحجة التمسك بالثوابت والمبادئ القديمة.
ليس هذا فحسب بل إن هذه الحركات ارتكبت العديد من الأخطاء الإستراتيجية التي شكلت عنواناً جامعاً لإخفاقاتها خلال السنوات الماضية.
لقد كانت تجربة الجزائر في تسعينيات القرن العشرين، تلك الفترة العصيبة كانت مقدمة لما سيحدث للحركات الإسلامية في الفترة اللاحقة، وخاصة في فترة ما بعد ما يسمى «الربيع العربي». حيث تعاملت الحركات الإسلامية مع أحداث ومخرجات هذا “الربيع” بانسياق كبير، وراء عواطفها التي زينت لها انطواء الأزمات، ووردية الطريق، وأن المرحلة قد باتت لها بلا منازع، فخاضت المسار من دون حسابات دقيقة، وقفزت قفزات غير محسوبة وجانبها التوفيق، فضلاً عن تحالفاتها المشبوهة مع قوى غربية ما أدى إلى سقوطها الذريع في أول “تجربة” لها في الحكم في مصر حيث انتهى حكم الإخوان بعد أن قفزوا فورا إلى العمل من دون التدرج في الطريق إلى إدارة الدولة، بحكم انعدام خبرتهم السابقة في ممارسة الحكم وشؤون الدولة.
ومن بين الأخطاء أيضاً، أن بعض حركات الإسلام السياسي -التي وجدت نفسها في صدارة المشهد السياسي عجزت عن الانتقال من الحزبية الضيقة إلى المرحلة الفسيحة التي تجعل منها خياراً مقبولاً، وتمنحها القدرة على مخاطبة وتلمّس هموم وآمال وطموحات واحتياجات كافة الشرائح الاجتماعية في بلدانها، عبر سياسات عملية بعيداً عن لغة العواطف والشعارات.
فكانت حساباتها تبعاً لقراءاتها الخاطئة، وكانت النتيجة السقوط المدوي. فضلاً عن عجزها عن التفريق بين الثابت والمتغير، وبين الإستراتيجية والتكتيك، إذ هيمنت عليها مفردات الجمود عقوداً، وبقيت حبيسة القناعات الصخرية والأفكار المقولبة التي ترى أن الباطل لا يأتيها من بين يديها ولا من خلفها.
في سياقات عملها الحركي؛ لم تبد هذه الحركات مراجعة حقيقية تتوخى الفرز بين الأهداف والغايات المنشودة من جهة، وآليات ووسائل تحقيقها من جهة أخرى، فتحولت هذه الآليات والوسائل إلى أدوات مقيمة على الدوام في الحضن الحركي رغم ضعف جدواها، وبدا أنها أضحت أهدافاً وغايات بحد ذاتها.
مدوا أيديهم لأمريكا وتركيا وقطر والسعودية و«إسرائيل، فاكتشفنا أنهم بذلك يتاجرون بمعاناة ودماء ملايين العرب والمسلمين هؤلاء الذين تحالفوا مع الشيطان وهم اليوم ما يُعرف بنخب الحرامية الانتهازية والملونة، لن تكون يوماً ما إطلاقاً راعية أو عاملة في أي بناء حضاري أو نهضة علمية أو إصلاحية.
لقد بات واضحاً أن هؤلاء ليسوا أكثر من “طلاب حكم”، وأكثر ما يظهر منهم اليوم في بعض الأقطار العربية هي سياسات فقاعية خاوية.
لقد أثبت “الإخوان المسلمين” في مختلف أنحاء العالم العربي والعالم أنهم لا يختلفون في شيء عن بقية التيارات والأحزاب، وأنهم لا يترددون في ممارسة ذات الألاعيب السياسية.
وعليه فقد فشلت تيارات الإسلام السياسي في مشروعها الطوباوي الذي كانت تبشر به كما أن الطوباوية الأخرى، المتمثلة في ما يسمى “الربيع العربي”، قد منيت أيضاً بالفشل الذريع. فقد أدركت قطاعات واسعة من الشعوب العربية أن تيارات الإسلام السياسي توظف الخطاب الديني من أجل الوصول إلى السلطة.. فقط فبئس ما جاء به هؤلاء.
أكاديمي وكاتب عراقي