الرد بالمثل
في ردٍّ روسي سريع وبالمثل على العقوبات الأميركية الأخيرة، أعلنت موسكو طرد عشرة دبلوماسيين أميركيين وحظر دخول عدد من كبار المسؤولين في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، فضلاً عن حظر المؤسسات الأميركية والمنظمات غير الحكومية على أراضيها بسبب تدخلها الفاضح في السياسة الروسية الداخلية، وذلك رداً على قرار إدارة بايدن طرد عدد من الدبلوماسيين الروس.
العقوبات الروسية الرادعة ليس كل ما في جعبة موسكو, فهناك الكثير من القرارات المؤلمة لواشنطن, منها الطلب من البعثات الدبلوماسية الأميركية تخفيض عدد موظفيها في روسيا, وتقييد أنشطة المنظمات والمؤسسات القادمة من الولايات المتحدة للتدخل في الشؤون الداخلية لروسيا.
ناهيك عما لدى موسكو من خيارات للإضرار بالاقتصاد الأميركي كاتخاذ إجراءات مؤلمة بحق الشركات الأميركية، لكن موسكو اكتفت بهذه العقوبات حالياً وأرجأت المزيد منها حسب ما سيرشح عن الجانب الأمريكي.
من حيث توقعت الإدارة الأمريكية أم لم تتوقع, فإن العقوبات التي ردت بها موسكو تحمل رسالة واضحة غير قابلة للبس مفادها أنه لن يمر أي فعل عدائي أو استفزازي ضد موسكو من دون رد, خاصة أنه بات معلوماً للجميع أن واشنطن لا تريد التسليم بحقيقة أنه في الواقع الجيوسياسي الجديد لا مكان فيه للإملاءات، وأن السيناريوهات المفلسة لـ”احتواء موسكو”، التي لا تزال واشنطن تراهن عليها، تقود إلى مزيد من التدهور في العلاقات الروسية- الأميركية.
رغم الرد السريع والحاسم, إلا أن موسكو تركت الباب مفتوحاً أمام واشنطن للحوار علّها تجنح إلى التعقل والابتعاد عن نهج المواجهة, وعليه لم ترفض موسكو مقترح الرئيس الأميركي بعقد قمة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين, معلنة استعدادها لحوار هادئ ومهني مع الإدارة الأمريكية التي تحاول ترسيخ صورة العدو الخارجي من دون الاهتمام بمشاكلها الداخلية.
اللافت هو تناقض بايدن, فمن جهة يصعّد مع موسكو عبر التصريحات الاستفزازية وفرض العقوبات, ومن جهة يدعو نظيره الروسي للحوار بحجة ضرورة العمل معاً وخفض التصعيد..
سياسة “التجريح والمداواة” التي يتبعها بايدن ظناً منه أنها تصيب بتمرير الرسائل السياسية من بوابة التهديد وفرض العقوبات، ليست خافية على موسكو التي تدرك حقيقة نيات الإدارة الأمريكية غير الحسنة, وعليه ردت موسكو سريعاً بالعقوبات وأعلنت استعدادها للرد بالمزيد في حال استمرار واشنطن بالتصعيد. فهل سيقرأ بايدن رسالة موسكو جيداً ويجنح للحوار وخفض التصعيد قولاً وفعلاً؟ خاصة أن الضغوط عبر العقوبات أو أي آليات أخرى ستعود بتداعيات مضرة على واشنطن قبل موسكو..