انتهازيون في الصراعات الدولية
ما يميز الصراع بين روسيا وحلف شمال الأطلسي “ناتو” في هذه المرحلة، هو وجود بعض الانتهازيين الذين قد يسرعون من تفاقم الأمور للوصول إلى درجة الغليان، وربما الانصهار، فلا يستغرب أن يلتقي رئيس النظام التركي رجب أردوغان بنظيره الأوكراني فلاديمير زيلينسكي في هذه المرحلة.
ليست المرة الأولى التي يتحرش فيها أردوغان بمنطقة الأمن الروسي، مستغلاً انشغال موسكو بملفات أخرى وعدم رغبتها بالمبادرة إلى القطيعة الكلية مع أنقرة، فبعد مشاركته في الصراع حول إقليم ناغورني قره باغ بضباطه ومرتزقته وطائراته المسيرة “بيرقدار”، هاهو الآن على خط الأزمة في دونباس بصفقات يعقدها مع زيلينسكي، معلناً أنها لا تستهدف أحداً!.
لقد راهنت روسيا على احتواء أو كسب تركيا، كما تفعل إيران، من خلال تقديم كل ما تريده أنقرة (أردوغان)، لكن هذا الرهان لا يبدو في مكانه، فالانتهازية التركية لا حدود لها، وأيضاً تركيا في زمن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب هي غيرها في عهد جو بايدن.
اليوم اللعبة الدولية تقترب من الحافة أكثر ..”ناتو” يتحرش بموسكو.. المهمة ملقاة على الرئيس الأوكراني زيلينسكي لاستفزاز موسكو، ودفع الأمور إلى قلب الجحيم.. زيلينسكي انتهازي آخر، وموسكو ترد بتدريبات على مكافحة الغواصات في مكان أبعد من دونباس في بحر النرويج ومناورات في بحر اليابان.. المخاطرة اليوم أكبر مما هي عليه في السابق.
تركيا ليست بعيدة، “بيرقدار” في أوكرانيا على خط التماس، وتكرار أسطوانة عدم اعتراف أنقرة بضم القرم استفزاز لروسيا، وأنقرة لا تنسى أنها عضو بحلف “ناتو” والناشط الأكبر بعد واشنطن في جبهات “ناتو” المتفرقة.
هنا الانتهازية متشابهة بين أردوغان وزيلينسكي، والأخير يستغل “الناتو” بتحريض أمريكي، وأردوغان يستغل صبر ودبلوماسية موسكو.. العقلاء من لا ينجرفون نحو الفخ الأمريكي، الحرب الخارجية ضرورة أمريكية.. الرهان على موسكو وأوروبا كبير، لكن أوروبا المغلوب على أمرها والتي ستدفع الفاتورة الأعلى من أي انزلاق خطير، تبدو أكثر صمتاً وأكثر عجزاً.. لم يخطئ من سماها القارة العجوز.
دور الوكلاء كبير لتسخين المجريات، الوكلاء انتهازيون.. لا حياد مطلق ولا تحالف كامل.. الاستثمار في الظروف والموقع.. كلاهما “أردوغان وزيلينسكي” يدرك اللعبة ويستغلها وكلاهما يشخصن الملفات متى أراد.. وعندما تنطلق حمم الجحيم لا يُستغرب إعلانهما الحياد.. الانتهازيون هكذا سيتصرفون.. الجميع مستعد ومتأهب وعود الثقاب أخرج من علبته.