الوجه الآخر للإرهاب
لم تأتِ صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية بجديد عندما كشفت النقاب عن وثائق تؤكد أن متزعم تنظيم “داعش” الإرهابي المدعو أبو إبراهيم القرشي عمل مُخبراً للأمريكيين عندما سُجن في سجن بوكا الذي كانت تديره أمريكا جنوب العراق عام 2008، حيث قدم معلومات دقيقة للأمريكيين ضد منافسيه داخل التنظيم الإرهابي الذي كان يعرف حينها باسم “تنظيم الدولة في العراق”, ما أسفر عن مقتل بعضهم واعتقال بعضهم الآخر.
الحديث اليوم عن حقيقة الإرهابي القرشي بوصفه عميلاً متعاوناً مع الإدارة الأمريكية وأداة طيّعة لتنفيذ أجندتها الاستعمارية في المنطقة، يسلط الضوء على الحقيقة الجليّة وهي أن القرشي ليس المتزعم الإرهابي الوحيد الذي تدرّب في السجون الأمريكية, بل سبقه إلى ذلك سلفه الإرهابي أبو بكر البغدادي الذي أسهمت القوات الأمريكية في صناعته بعد إيداعه بالسجن لأشهر عام 2005، وإخراجه بعد ذلك متشبعاً بالفكر الإرهابي الدموي ليتزعم بعد ذلك تنظيم “داعش”، وقبله كانت صناعة الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي وغيره الكثير من الإرهابيين.
وعليه، فإن المتزعمين الإرهابيين لم يكونوا سوى حفنة من السفاحين، تستخدمهم واشنطن لتنفيذ أجندتها ضد شعوب المنطقة، ومن ثم تتخلص منهم عند انتهاء مهمة كل واحد منهم.
ولعل قيام وزارة الدفاع الأمريكية مؤخراً بالكشف عن وثائق رفعت السرية عنها، تتحدث عن عمالة الإرهابي القرشي، يشير إلى أن أمريكا لم تعد بحاجة لخدماته وأن أيامه باتت معدودة، وعلى ما يبدو هناك احتمال أن تزيحه وتمهد لصعود إرهابي آخر لتزعم تنظيم “دعش”, كما فعلت مع البغدادي من قبل عندما استهدفته بعملية استعراضية في إطار ترويجها الخادع لـ”مكافحة الإرهاب”, في حين أنها هي التي أوجدت أخطر التنظيمات الإرهابية.
منذ بداية الحرب الإرهابية على سورية, تؤكد الوقائع الموثقة على الأرض أن واشنطن تواصل دعمها وحمايتها للتنظيمات الإرهابية في سورية وعلى رأسها تنظيم “داعش” بهدف الاستثمار بالإرهاب لتنفيذ مخططاتها الإجرامية ضد الشعب السوري وضمان وجودها غير الشرعي في شمال سورية.
وعليه فإن مزاعم أمريكا بمحاربة الإرهاب لا تنطلي على أحد، فدولة قامت على الإرهاب وإبادة ثلاثة ملايين من الهنود الحمر لا تقوى ولا تستمر إلا بإعادة إنتاج سياساتها القائمة على صناعة ودعم التنظيمات الإرهابية لتحقيق أجندتها الاستعمارية الرامية لتقسيم دول المنطقة وإعادة رسم خرائطها بما يتناسب مع خريطة الأطماع الأمريكية القائمة على دماء شعوب المنطقة ومصيرها.