تدعيم الاستبداد
لم يكنْ الاستبداد الذي يمارسه رئيس النظام التركي رجب أردوغان بحق أبناء شعبه على اختلاف توجهاتهم السياسية والفكرية الثقافية والإيديولوجية، كافياً ورادعاً لتكميم الأفواه إلى الأبد، فالصراعات في تركيا ورفض سياسات أردوغان تواصل الظهور.
بيان ضباط البحرية المتقاعدين الأتراك الـ104، والذي يطالب حكومة أردوغان بالتراجع عن قرار الانسحاب من اتفاقية “مونترو” وعن حفر قناة اسطنبول، إنما يدل على مراحل متقدمة من الصراع في تركيا بين أردوغان والمعارضة، من الممكن أن تصل حد الانفجار في المقبل من الأيام، كما يكشف وبوضوح عن حجم الخلافات السياسية وحتى الاقتصادية القائمة على الساحة التركية.
المُلّم بالمشهد التركي يدرك تماماً أن الأمر لم يبقَ في إطار البيان، بل هو مرشح للتفاعل على نطاق واسع، ولاسيما في ظل السجال المستمر والشائك بين حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، والأحزاب المعارضة لنظام أردوغان وطريقة حكمه واستبداده.
أيضاً المُلّم باستبداد أردوغان يُدرك تماماً كيف سيحول هذا الأخير البيان إلى ورقة رابحة، يتكئ عليها لتدعيم استبداده وتعسفه وقمع معارضيه، والزج بهم في السجون، وتطهير المؤسسة العسكرية وحتى المؤسسات المدنية ممن تبقى منهم، أي سنكون أمام حملة اعتقالات واسعة النطاق، فالذريعة جاهزة لا حاجة لابتداعها وهي مزاعم “حماية الديمقراطية” و”المكتسبات” التركية التي تمت خلال السنوات الماضية.
الترويج لفكرة الانقلاب والتي ظهرت سريعاً بعد البيان، كانت متوقعة وهي أفضل ورقة لدى أردوغان يستعطف من خلالها الشعب التركي ويستخدم الترهيب في آن معاً.
التحديات تكبر أمام أردوغان يوماً بعد يوم، وإن كسب هذه المرحلة بطريقة أو بأخرى، فإن النار الكامنة تحت الرماد لا بد أن تشتعل، وينقلب السحر على الساحر، ولابد من التذكير دائماً أن تحديات أردوغان ليست داخلية فقط بل خارجية أيضاً.