ازدياد حالات السرقة.. «الأحداث» أول المتهمين والدراجات النارية أكثر المسروقات

في كل شهر تسجل وزارة الداخلية عشرات حالات السرقة التي تم القبض على مرتكبيها، لضبطهم بجرم سرقة ممتلكات خاصة مثل الدراجات النارية، بطاريات السيارات، أسطوانات الغاز، جوالات، أبقار، محاصيل إنتاجية ..الخ.
السرقات ليست بالحدث الجديد لكن ما هو جديد زيادة عدد هذه الحالات، وتحتل سرقة الدراجات النارية قائمة السرقات التي تحصل مؤخراً خاصة في المناطق الساحلية التي يعتمد عليها السكان كثيراً للتحرك والتنقل، وهناك الكثير من الحالات التي يتحدث عنها أشخاص تعرضوا لعمليات سرقة، كان أحدثها سرقة دراجة نارية من داخل منزل صاحبها في قرية بمحافظة اللاذقية، كما أكد المدرّس أحمد يوسف من مدينة جبلة أنه تعرض لسرقة ثلاث دراجات خلال سنوات الحرب على سورية، وأن أخبار سرقة الموتورات يومية.
الخلاصة أن حالات السرقة كثيرة ومتنوعة – حسب الأمن الجنائي – وأغلب حالات السرقة يمكن أن تندرج تحت بند الحاجة وإن كانت غير مبررة مهما كانت الظروف، وأن هناك تراجعاً في أعداد السرقات بعد متابعة مكثفة من قبل وزارة الداخلية لكل حركات غير طبيعية خاصة في ساعات الليل المتأخرة.
و تتنوع المسروقات بين النحاس أو بطاريات سيارات أو مولدات لضخ الماء ..الخ.
دون السن القانوني
المحامي خضرالإبراهيم يؤكد أن ما يصل إلى محكمة جرمانا من قضايا سرقة لا تقل عن 60 حالة أسبوعياً، وأن أغلبهم من الأحداث دون 18 عاماً فهؤلاء يحتلون مرتبة الصدارة بجرم السرقة، ويرى أن السبب هو تردي الوضع الاقتصادي بسبب الحصار الجائر على سورية وغياب الأهل الكلي عن المراقبة، وعن التواجد في المنزل بسبب السعي لتأمين تكاليف الحياة الباهظة التي تتطلب خروج الأب والأم في أغلب الأحيان.
يضيف الإبراهيم أن مرتكبي هذا النوع من الجرائم تطبق عليهم عقوبات بسيطة وهي السجن مدة ثلاثة أشهر حتى يخلى سبيله لظروف مخففة، وأن مسروقاتهم هي سرقة قاصر تتراوح قيمتها بين 30-50 ألف ليرة ، و هناك سرقات لأسطوانات غاز أيضاً، وأغلب السرقات التي تحصل هي من اختصاص محكمة الصلح.
وبيّن المحامي أن هناك ثلاثة روادع لجرم السرقة: الأول منه أخلاقي، والثاني جزائي والثالث اقتصادي، وإذا اختل أيٌّ منها تفاقم جرم السرقة، مثلاً إذا انحلت الأخلاق مع إفلاس الأشخاص وسهولة العقوبة، ويؤكد المحامي أنه لا يجوز تشديد العقوبة لكي يتم التخلص من هذا الأمر لأن العقوبة يجب أن تكون على قدر الجرم، وإذا تجاوزت ذلك تصبح إجحافاً بحقه، وأكد أنه تم البحث في موضوع هذا النوع من الجرائم ولكن تبين أنها كلها تدور حول أننا « نقلّم البراعم ولا نصلح الشجرة».
ويرى أنه من وجهة نظر اجتماعية وقانونية فإن الزيادة في السرقة خلال الحرب على سورية أمر متوقع، وإن النسبة الحالية عادية، ولذا يؤكد المحامي إبراهيم أنه ليس مع تشديد العقوبة على هذا النوع من الجرائم في ظل هذه الظروف، لأنها تحتاج علاجاً اجتماعياً واقتصادياً بالدرجة الأولى، وهذا ما لا نستطيع تقديمه حالياً للأهالي أو أبنائهم الذين يسرقون.
القيم الأخلاقية الصحيحة
وعن آثار انتشار ظواهر السرقة في المجتمع تقول الباحثة الاجتماعية والأستاذة في جامعة دمشق الدكتور رشا شعبان، إن لموضوع الفقر دوراً كبيراً في انتشار هذه الظاهرة، ولكن هناك أخلاقيات في المجتمع يجب ألّا تتأثر بالظروف، لأنها تبقى ثابتة حينما تكون متجذرة، وتؤكد الباحثة شعبان أن تكرار حوادث السرقة يتسبب بفقدان الإحساس بالأمان في المجتمع، وانعدام الثقة بين الأفراد ما يضعف الروابط الاجتماعية، كما أن ضعف الأمان يؤثر في الحالة النفسية للفرد ويجعله في حالة توتر دائم وشكوك وظنون حول كل من يحيط به.
ويبقى الأهم في الموضوع هو القيمة الأخلاقية التي تصبح مائعة، بينما القيم الأخلاقية الصحيحة هي تلك القيم المتجذرة الثابتة التي لا تهددها الأزمات بل تزيد التمسك بها.
إسعافية لا استراتيجية
وعن دور الظروف الاقتصادية في انتشار هذه الظاهرة يقول الاقتصادي الدكتور سنان ديب: المطلوب الآن حلول إسعافية وليست استراتيجية كما الحديث عن الصناعة والزراعة فهذه لدينا الأدوات للوصول إليها، لكن الغلاء الفاحش وعدم ضبط الأسعار أوصلنا إلى انعكاسات اجتماعية خطيرة منها السرقة وقد تتطور إلى الجريمة التي تؤثر على الأمن الشخصي للمواطن، فحالياً مازالت ظاهرة السرقة السلمية دون أذى جسدي للأشخاص لكنها قد تتطور إذا لم نضع حلولاً عاجلة، لذا يجب النظر للظاهرة بمفاعيلها الحقيقية وليس بطريقة التنظير، فعند الحديث عن موضوع الصرف مثلاً، يكون الحديث الأكاديمي عن السياسة النقدية، ولكن هذا لا ينفع الآن، لأن هناك مضاربة وهمية والحل ليس اقتصادياً.

أضاف د. ديب أنه مادامت الجهات التنفيذية كوزارة التجارة الداخلية لا تأخذ دورها، يجب إيجاد بدائل لها لضبط الأسعار ومن البدائل التي يطرحها الباحث الاقتصادي د. ديب مشاركة المجتمع الأهلي والأحزاب والمنظمات تحت إشراف وقوة الدولة، بمعنى أنه يجب العمل على حلٍّ آني لأن هذا الشهر مفصلي ويجب تجاوزه قبل أن تتفاقم الحالة المرضية إلى حالة مرض سرطاني، وهناك حاجة إلى آلية لضبط الأسعار وليس آلية لتثبيتها بل لإعادتها إلى ما يجب أن تكون عليه، مع آلية منع نقل التضخم وآلية ردع كل ما تسبب في وصولنا إلى هذا الوضع.
أضاف د. ديب: إننا حالياً نتابع الجهات المختصة التي تضبط الجرائم وقد تكون قادرة حتى الآن على الضبط، ولكن يخشى أن تكون غير قادرة على ذلك فيما بعد، ويخشى أن تكون هذه الأفعال مبرمجة من قبل من يستعمل الخطة (ب) للضغط الاقتصادي على سورية لتعميم هذه الظاهرة وبث اليأس عند الشعب، وقتل الحصانة الاجتماعية، هذا يحتاج تعاون الجميع.
وكذلك قانون الجرائم الالكترونية استثمر أكثر من قبل الفاسدين الذين يستغلونه كلما ذكر اسم منهم يستغل القانون، أي تكبيل البلد بكل الأدوات القادرة على الاحتواء سبب هذا كله، إضافة للانحلال الأخلاقي الذي نعانيه مؤخراً.
وأكد أن الفوضى في الأسعار تعطي فوضى في كل شيء، فعندما تكون لدينا أدوات تنفيذية مهمتها المراقبة ولا تفيد في المراقبة ونوعية السلعة، فكل السلع بمواصفات متدنية وأسعار خيالية يجب إيجاد بدائل.
ويرى ديب أن ارتفاع الأسعار غير مبرر لأن هناك من يحاول نقل السعر الوهمي للصرف الذي يضارب به خارج الحدود عبر رفع الأسعار حتى نشعر به مع تسعيرة الذهب، ويقول إنه لولا الأداة الداخلية لكنا نستطيع تجفيف استعمال سعر الصرف الوهمي.
والحقيقة يجب أن تكون مؤسسات الدولة مع المواطنين الشرفاء في خندق الدفاع عن الوطن، وفي الظروف الاستثنائية كل شيء مباح، ولا ضير من تغيير أدوات المراقبة إذا كانت الجهات المسؤولة عن الرقابة لا تقوم بأي مبادرة.
وقال: إن أخبار المخالفات لا تسعدنا بل المطلوب طريقة لردعها، فالمشكلة إن القصور إما في القوانين وإما في التنفيذ، لذا قد تزداد ظاهرة السرقة، ورغم الظروف القاسية إلا أنه أسلوب غير مبرر وغير مقبول، ويجب استثمار كل الأدوات لمواجهتها، لأنه قد يكون بعضها سرقات مأجورة لإظهار المجتمع ضعيفاً ومحبطاً، وعلى شفا الانهيار، وهذا يعني الحاجة إلى حلول علاجية ووقائية، وآليات جديدة لإيصال الدعم وفق آليات جديدة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار