دورٌ مشبوهٌ

مبدعو ومخترعو مواقع التواصل الاجتماعي أرادوا منها أن تؤدي خدمات جليلة للأفراد والأسرة الغربية التي تعاني الانقسام والبعد وضعف الحميمية، وأن تكون وسيلة تقارب وتواصل ولم الشمل لكل أفراد الأسرة المتباعدين.

أما على مستوى المؤسسات فكان الهدف تسهيل عمليات التعليم عن بعد، بمعنى التعليم بمتناول الجميع أينما كان، مستفيدين من الشابكة والإنترنت، وفي الوقت ذاته وسيلة إيضاح سهلة وبسيطة وممتعة، تتيح إمكانية الحصول على المعلومة بأقل وقت وأوفر مال، هذه بعض الأهداف وليست كلها.

لكن للأسف أُسيء لرسالتها، بالعالم وفي المنطقة العربية ومن بينها سورية، البعض شكّل «كروبات» كبيرة أو صغيرة تختبئ خلف أسماء برّاقة وكبيرة، وبعضها وهمي تارة، وبأسماء مستعارة، وتنتحل شخصية عامة تارة أخرى.

هذه الغرف السرية السوداء، يجمعها صندوق أسود، بعضها يسير نحو الصندوق نفسه، بدراية ومنهجية مدروسة، وبعضها غايته الترويج للشذوذ والفجور، وتلفيق الحكايات للنيل من هذا أو ذاك، وبعضها هدفه التشكيك بكل ما هو جميل وصادق وحقيقي، وبعضها يسعى لدسّ السم في عسل الأفراد والمؤسسات، لغاية تعميق الشرخ ودق الأسافين بين أبناء الأسرة الواحدة والمؤسسة الواحدة، وبعضها متخصص، ومتفرّغ لنفث الأكاذيب وتطبيق الحكايات على شخصيات عامة، لتقزيمها، والنيل من تاريخها، من دون أن يكون لهم معرفة بها، أو له موقف معها، وإنما لغاية أرادها من يقود هذه الغرفة أو تلك من خارج البلاد..

المفارقة أن البعض القليل من رواد مواقع التواصل الاجتماعي ينخرط ويتفاعل مع هذه الصفحات من دون أن يشعر أو يدري، وكل همّه نيل “لايك” من هنا أو هناك، بعد أن يشارك في حفلة الشتائم والسباب التي ترضي غريزة هذا أو ذاك الفاشل الحاقد على أسرته، أو مجتمعه، أو بيئته.. بل قد يكون له موقف من شخص ما، فيسقط كل سلوكياته، من خلال موقعه.

هذه «الكروبات» المومأ إليها.. والمتخفية، هي مثل العقرب يلدغ ويختبئ، بهدف الإساءة للشخصيات العامة.. وهي تفعل هذا لأن الحوار الموضوعي لا يروق لها، بل هي تعشق إثارة النعرات الطائفية والعشائرية وتكره الانضباط، وتشيع التجريح، وزرع الكراهية، تعشق روح الفوضى لبث الذم والقدح ونشر كل ما هو مضلل وكاذب، وهي تحب أن تبقى تعمل من دون قيود أو حتى ضوابط، حتى تبقى تسرح وتمرح لتنفيذ الأجندات المرسومة لها.

لاشك في أن مواقع التواصل الاجتماعي، وبفضل هذه الغرف السرية المتخصصة قد تشكل رأياً عاماً كاذباً، مبني على الإشاعة الموجّهة المدروسة؛ لتسفيه الرموز والمجتمع والمؤسسات، بل تذهب أبعد من ذلك، عبر نشر الكراهية والحقد، والهدف ضرب تماسك المجتمع، وهذا ما يصبو إليه من يدير هذه الغرف السرية التي تدير بدورها هذه «الكروبات» الجماعية والصفحات الخاصة.

إن تأثير هذه الغرف خطير على المجتمعات العربية، بسبب تركيب الأسرة العربية من حيث العادات والتقاليد، وهذا التأثير غير موجود في المجتمعات الغربية، لذا هذه الغرف السرية عملت ولا تزال للاستفادة من هذه الميزة، ولكن لتفتيت الأسرة العربية والمجتمع العربي وتالياً للتأثير السلبي على مسيرة الوطن عبر الإساءة المقصودة لكل رموزه، لذا يجب عدم ترك هذا الأمر على هذا النحو، وترك كل من يدّعي أنه كاتب أو صحفي أو ناشر، أن ينشر على هواه، أو يلبي أهدافاً مبيتة لجهات خارجية، فلابدّ من أن تقوم الجهات المعنية، من أسر، ومدارس، ومساجد، بالتوعية لخطورة هذا الأمر، والالتزام بالأخلاقيات والقيم المجتمعية السائدة، والنقد البنّاء من دون تجريح أو تشهير، أو تلفيق أكاذيب، ولابدّ أيضاً من تشديد العقوبات القانونية والقضائية لمن ينشر معلومات مغلوطة، أو يروج شائعات مقصود هدفها النيل من كرامة الأفراد والمؤسسات والرموز الوطنية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار