تعديل إستراتيجي أمريكي
بدأت التغيرات تنتقل من تبديل الأسماء والوجوه في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى مناطق جديدة في العالم توجد فيها قوات أمريكية احتلالية في أفغانستان والعراق وشمال شرق سورية، فالرئيس دونالد ترامب الذي اقتربت ولايته من نهايتها هيأ الشخص المناسب لتنفيذ ما يعتقد أنه مصلحة لأمريكا، فوزارة الدفاع الأمريكية أعلنت عن عزمها سحب 2500 جندي من أفغانستان والعراق قبل انتهاء عهد ترامب.
ضرورات سحب هؤلاء الجنود الأمريكيين عديدة، منها أن أمريكا تمر بمرحلة صعبة، وهي بحاجتهم في أراضيها لضمان الأمن، بعد كل تلك الجولات من الاحتجاجات ضد العنصرية، وأيضاً من يدري هل تنتقل السلطة في البيت الأبيض بيسر وسهولة ويرحل ترامب بلا ضجيج أم لا!، وأيضاً من يضمن حياة الجنود الأمريكيين في مناطق قد تتحول في أي لحظة إلى جحيم عليهم، كما أن أمريكا ليست بحاجة للنفط أو الغاز لإبقاء قواعد لها في مناطق بعيدة، وما وجودها في الخليج إلا وجود مأجور، لكن إبقاءهم سيحولهم إلى أوراق تتساقط في حال المواجهة، وأكثر ما يمكنهم القيام به هو التجسس وحماية السفارات في أفغانستان والعراق، ومن ثم فإن وجود بضع آلاف من العسكريين الأمريكيين في أماكن متفرقة، كأفغانستان والعراق وشمال شرق سورية، لن يحقق أي أهداف عسكرية إستراتيجية أمريكية.
إن مبدأ الرئيس المضارب دونالد ترامب القائم على الربح والخسارة، والساعي لعودة جنود أمريكا إلى ديارهم، قد يصيب الآن في أنه يأتي لمصلحة أمريكا، فالخسارة المتحققة من وجودهم في أفغانستان والعراق واضحة، فمصالح أمريكا الآخذة بالضمور في المنطقة لا تستلزم وجود قوات لها خارج أراضيها.
أياً كان منْ هو وراء قرار سحب القوات الأمريكية، فهو قرار عقلاني يصب في مصلحة أمريكا ويعد جولة رابحة تكسب من خلاله حياة جنودها، كما أنه تعديل إستراتيجي على السياسات السابقة، لكن خصوم ترامب في “الدولة العميقة” والذين يسعون لعرقلة القرار، يرون بالقوات الأمريكية في مناطق انتشارها “أوراقاً للضغط” على الحكومات الوطنية والدول المجاورة لها، وهذا الرأي أمريكي، لكن للمقاومات الوطنية والدول المعنية رأي آخر هو الغالب في النهاية.