مستمعاً إلى «كاظم الساهر» وهو يغني «ولكن فُقْرَ الحال، ضَعفَ الحال، مأساتي»، جال في خاطر صفحة ديونه عند البقّال، والخبز الذي بات بحاجة إلى دوام كامل لتأمينه من على إحدى طاقات الفرن، والفروج الذي كان يُزيِّن أطباق زوجته، ولاسيما معشوقته «صينية البطاطا بفروج»، والتي تحوَّلت بقدرة قادر إلى «صينية بطاطا طاير فروجها»، وصحن البيض أو «بروتين الفقراء» كما يحلو للبعض تسميته، الذي بات صعب المنال هو الآخر، لدرجة أن «الجظ مظ» بات رفاهية، بينما «البرغل» لم يعد «بسامير الرُّكَب»، بل بات مسامير في الرَّكَب،… هنا ازداد شجن «الساهر» بالقول: «عانيتُ عانيت، لا حُزني أبوح به، ولستِ تدرين شيئاً عن معاناتي»، لكن صاحبنا المعتَّر من تعبه غفا على مقام الأسى، لكن على عكس العادة، وبدل الكوابيس والملاحقات و«الخناقات» والبهادل، زارته الأطياف الزاهية من كل حدب وصوب، وحلم بأنه في منزل ريفي واسع، مع باحة كبيرة، تُطِل على بستان، فيه من كل ما يشتهيه المرء. صَبَّحَتْ عليه زوجته بلباس الضيعة التقليدي، وعلى رأسها «طبق القشّ» تعلوه أرغفة تنّور شهي، وضعتها أمامه، وجاءته ابنته بما لذ وطاب من الحليب والجبن واللبن والشنكليش والزبدة، وفجأة سمع خوار أبقار وثغاء ماعز آتية من زاوية البستان، وإلى جانب منتجات الألبان ثمة بيض بلدي، وحينها لمح الدجاجات وصيصانها يتجولون في قِنِّهم الواسع، بينما الديك يتباهى بعرفه وألوان ذيله الباهرة، ولم تخلُ مائدة الفطور من البقدونس والنعناع والبصل الأخضر والبندورة والخيار، فشدّ الرجل ظهره وأنزَلَ «الفروة» من على كتفيه وبدأ بالأكل، وما إن انتهى حتى هَمَّ بصعود السُّلَم من أجل «حواش الزيتون»، كي لا يتأخر ابنه عن أخذها إلى المعصرة، من أجل مؤونة الزيت، وفي ذاك الوقت كانت زوجته تُحضِّر الحطب من أجل غلي «دبس الرمان»، وما إن بدأ يحمد ويشكر على النِّعم التي يعيشها بكل بهائها، جاءه صوت «السَّاهر» من أعماق الحلم بكامل أساه؛ بدعوة حبيبته للرقص حافية القدمين.