“سأعود مع المطر”
ليس أصعب على الأرض من احتباس المطر، وعندما يحدث هذا “الامتحان” الطبيعي؛ يلجأ البشر لمختلف السبل الروحانية والعلمية توسلاً للغيث..
المطر الذي تتعدد مرادفاته التي أطلقت جميعها أسماءً للمواليد من الناس، فكان (مطر، وغيث، وغيره..) ولا أظن ثمة مفردة تُضاهي مفردة (مطر) إغواءً للكتّاب والشعراء، وهم ينحتون تراكيبهم لما لهذه الكلمة السحرية من إيحاءات توسع من ضيق العبارة، وأكثر ما استخدمت هذه المفردة المائية في العناوين، ليس في السرد العربي فحسب، بل وفي مختلف السرد الإنساني العالمي ومدوناته من شعر، ورواية وقصة ومسرح، وسوى ذلك..
بمعنى ليس شح المطر في العالم العربي؛ كان من بواعث استدعاء مفردة المطر إلى النص، وإنما حتى في العوالم التي لا ينقطع وابل المطر على أراضيها؛ شكلت مفردة (المطر) إغواءً جمالياً للنص أياً كان نوع النص. لاسيما ما تصدّر منها في العناوين، بحيث شكلت للنص، أو الكتاب – شعري أو روائي، أو غيره – العتبة الأولى له.. وفي هذا المجال، لابدّ للمتابع أن تحضر لذهنه عشرات (العناوين المطرية)، حيث دائماً المطر يُشكل مركز العنوان الجمالي بما يوفره من إيحاءات وتأويلات تُرتّب ذهن القارئ، أو تُحضّره لوجبةٍ مائية تروي يباس هذا الكون..
وهنا يخطر في البال روايتان حملتا نفس العنوان المطري، مع أنّ واحدة صدرت في أوروبا، والثانية صدرت في العالم العربي؛ الأولى: هي الرواية التي أخذت قسطاً واسعاً من الشهرة (حب تحت المطر) للكاتبة الفرنسية جيسيكا ستيل، والرواية الثانية بالعنوان ذاته تقريباً (الحب تحت المطر) للروائي المصري نجيب محفوظ، ورغم مفردة الحب والمطر التي تجمع بين الروايتين، غير أنهما لا تكتفيان بالحالة الرومانسية التي يوحي بها العنوان، وإنما هما مدونة حياة كاملة مفعمة بالحب والحرب والتشرد.. بما يوحي أن الحب لا ينبت بغير أرض اليباس التي تتوسل المطر دائماً..
وفي العناوين المطرية؛ تحضر إلى الذاكرة روايتان من عوالم بعيدة أيضاً؛ الأولى: رواية (في انتظار المطر) للروائي الإفريقي تشارلز منغوشي، وهو من زيمباوي، وصدرت عن الهيئة العامة السورية للكتاب سنة 1916 بترجمة رائعة للمترجمة هدى عبد الفتاح الكيلاني، ورواية أخرى صدرت عن دار (دال) في اللاذقية، وهي رواية (سأعود مع المطر) للياباني ذائع الصيت تاكوجي إيشيكاوا، وبترجمة مميزة أيضاً للروائية السورية راغدة خوري..
في الرواية الأخيرة التي تجاوزت مبيعاتها ملايين النسخ، كما تُرجمت لأكثر من لغة عالمية؛ يعترف إيشيكاوا إن رواية (سأعود مع المطر) تقوم على تجربة شخصية، لكنه يُضيف في تفسيره، أو إشارته للواقعي من السوريالي؛ إنّ”العناصر التي تبدو طبيعية، هي العناصر الخيالية، وتلك التي في الأغلب تبدو غير قابلة للتصديق؛ هي العناصر الحقيقية.” ويأتي مثل هذا “الاعتراف” ليزيد في حالة الدهشة والإثارة الفنية التي بقيت تُرخي بجماليات الفن على مدى سرد الرواية، وتُعطي ما يُمكن أن نطلق عليه “الصدق الفني”. إذا ما علمنا أن عمارة الرواية مبنية على حادثة موت زوجة الراوي- السارد تاك-كون، “ميو”، بعد أن أنجبت بولادة عسيرة ابنهما “يوجي” لكن وهي تُغادر عالم الحياة الدنيا، همست له:”عندما يعود موسم المطر؛ فإني سأعود دون شك؛ لأرى كيف تتدبران أمركما أنتما الاثنان”.