(أخوات رجال) !
أم سلام امرأة ستينية تعمل (عتّالة) في سوق الخضرة، منذ أن أجبرتها الحرب على الهجرة من قريتها البعيدة في دير الزور, وهي تتنقل من مهنة إلى أخرى، إلى أن استقرت بها الحال في مهنة (العتالة) من تحميل وتنزيل الصناديق من السيارات , كما أن عليها أن تكون على أهبة الاستعداد بمجرد مناداتها لتفريغ هذه الحمولة أو تلك .
بالتأكيد ملامحها الأنثوية تكاد تختفي أمام خشونة الحياة وشظف العيش، وبالمقابل يطلق عليها العمال الموجودون هناك (أخت رجال) لأنها تعمل وتؤمن كفاف عيش أسرتها بشرف دون مد اليد لطلب الحاجة أو التذلل لأحد..
هذه الحالة كغيرها من آلاف الحالات التي أفرزتها الحرب لنساء كثر أجبرتهن ظروف الحياة على العمل في مهن تتطلب جهد الرجال ، فالبعض منهن يعملن في تصويج السيارات، أو قيادة حافلات بالأجرة ، أو حتى عاملات نظافة في البلديات يكنسن الشوارع ، وغير ذلك من المشاهد التي كانت غريبة بل وغير مقبولة في مجتمعنا.
بالتأكيد ظروف الحرب اللعينة وتكاليف الحياة الباهظة، هي من أجبرتهن على الدخول في تلك المهن (الرجالية) حتى إن الشعارات الرنانة التي كانت تحاكي كلاً منهن في فترة ما من حياتهن من قبيل العدالة والمساواة بين الطرفين وحق العمل و الإثبات للمجتمع على قدراتهن بتحقيق وجودهن كلها سقطت من حساباتهن، لأنه في حقيقة الأمر فإن الفاقة والعوز والفقر هي التي دفعت بهن للعمل في أي مهنة كانت، لتأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة لأسرهن، وهذا بحد ذاته كاف لمنحهن شعور الثقة والقوة في مواجهة الحياة باعتبار أن الحرية الاقتصادية هي أساس كل الحريات..
ولأن المرأة في مقدمة الشرائح ، التي دفعت وتدفع الثمن غالياً وخاصة في البلاد التي تعصف بها الحروب, فهل تبادر الجهات المعنية لإعادة النظر في واقع عمل المؤسسات, وتحليل الواقع من جهة الحاجة لتأمين فرص عمل لتلك الشريحة واستقطابها لحفظ ما تبقى من ماء وجوههن التي سفحتها حرب لعينة نالت من أرواحهن وقلوبهن، من باب إن صلحت المرأة صلح المجتمع بأكمله؟ .