ديمقراطية «راعي البقر»!
هذه المرة الأولى في تاريخ الانتخابات الأمريكية التي يشارك فيها هذا العدد من الناخبين حسب صحيفة “الواشنطن بوست”، وهذه المرة الأولى أيضاً التي تنقسم أمريكا على نفسها بشكل فاضح وصارخ وخطير وفق صحيفة “نيويورك تايمز” ، بل وقسمت العالم حولها بشكل جلي لم يجر مثله منذ انتخاب الرئيس الأمريكي الأول جورج واشنطن وهو غير المنتمي لأي حزب في العام 1789 على حد تحليل صحيفة “الغارديان” البريطانية ، كما جرى في الانتخابات الحالية لاختيار الرئيس الـ46 بين المرشحين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطي جو بايدن والمرة الثانية التي يهدد بها المرشحان باللجوء إلى المحكمة العليا لحسم نتائج الانتخابات، وهي محكمة الاستئناف النهائية في الولايات المتحدة ولها سلطة تقديرية بشأن القضايا التي تمس القانون الفيدرالي والدستور ونزاهة الانتخابات الرئاسية، كما جرى في انتخابات العام 2000 بين المرشحين الجمهوري جورج بوش الابن والديمقراطي آل غور آنذاك الذي حقق فيها بوش انتصاراً متقارباً ومثيراً للجدل على منافسه ، وهذه المرة الأولى أيضاً التي يحرض بها مرشح للرئاسة «ترامب» أنصاره العنصريين المدججين بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والاستعداد لفعل أي شيء “دفاعاً عن الديمقراطية” على حد تسويغه ، وهذه أيضاً المرة الأولى الذي يطلب فيها رئيس ومرشح لدورة انتخابية ثانية من أنصاره بالانتخاب مرتين إذا أمكن وهذه المرة الأولى أيضاً التي يلمح بها رئيس مرشح إلى إمكانية التمترس في البيت الأبيض والبقاء فيه ، وهذه المرة الأولى التي يشكك فيها المرشحان الجمهوري ترامب والديمقراطي بايدن بنزاهة الانتخابات قبل أن تبدأ ، اللافت أكثر هو تصريح جون روبرتس رئيس المحكمة العليا في الولايات المتحدة وقوله: « بغض النظر عما جرى في الانتخابات الحالية قد يكون الأهم أن الديمقراطية الأمريكية ذاتها تواجه مخاطر غير مسبوقة، وأن تهرب ترامب من الإقرار بتسليم السلطة بعد خسارته وتشكيك بايدن مسبقاً بنزاهة سير الانتخابات وهذه أغرب انتخابات أمريكية ، وأكثرها إثارة وتعقيداً وغموضاً ، وعلى ما يبدو سنشهد معركة كبيرة جنودها آلاف القانونين والمشرعين والمحامين ، وجنرالات هذه المعركة سياسيون وحزبيون وقانونيون مختصون» ،وفق تعبير روبرتس
الخلاصة.. قد تكون الصورة صادمة وسوداوية وضربت ما يسمى الديمقراطية الأمريكية بالصميم ، ولكن هذه هي حقيقة أمريكا من دون رتوش ومونتاج، وإذا استطاعت الماكينة الإعلامية الأمريكية إعطاء صورة مغايرة للوقائع في كل المرات السابقة، غير أن التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي بكل مسمياتها كشفت زيف الديمقراطية الأمريكية ونظامها الانتخابي التي تغنت وخدعت العالم به لعقود طويلة.. ذاب الثلج وبان المرج وسقطت ورقة التوت عن العورة الأمريكية.