ما بعد الانتخابات الأمريكية!
لم يكد ينقضي يوم الانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية حتى أعلن دونالد ترامب «فوزه» في هذه الانتخابات، مطلقاً جملة من التصريحات التي تتهم خصومه في السباق الرئاسي «بالتزوير ومحاولة جمع أصوات باطلة»، مهدداً بالتوجّه إلى المحكمة الدستورية لوقف فرز الأصوات وإعلان النتائج التي تكرّسه رئيساً للولايات المتحدة لمدة أربع سنوات قادمة.
بدوره، لم يتوانَ خصمه الديمقراطي جو بايدن – الذي ليس هو بأفضل من ترامب- عن إعلان «فوزه» أيضاً في هذه الانتخابات، واستعداده لمواجهة قضائية قد تطول أسابيع وشهوراً.
ما حدث يؤكّد مرة أخرى عمق الانقسام داخل المجتمع الأمريكي والسلطة الحاكمة معاً، والتوتر الكامن حتى هذه اللحظة، والمرشّح للانفجار الكبير الذي قد يطيح بهذا النظام القائم على تقاسم السلطة منذ الاستقلال وحتى اليوم.
القضية التي لم يعد مشكوكاً فيها، والتي أصبحت محطّ إجماع المراقبين وقادة الرأي في العالم، هي أن الرئيس ترامب، وخلال فترة ولايته المنقضية، كرّس مشكلة عزل الولايات المتحدة عن تأثيرها العالمي، مافتح الطريق واسعاً أمام الأقطاب المتعددة للبحث جديّاً عن طرق ووسائل مستقلّة عن السياسة والنهج الأمريكيين في التعاطي مع المسائل الدولية، بل إن بعض الأقطاب، ولاسيما الاتحاد الأوروبي، بدأ بالبحث جدياً عن حلفاء كان يعدّهم – حتى الأمس القريب- خصوماً سياسيين ألدّاء، كما كانت ولاتزال تصنّفهم واشنطن.
في ضوء ما ظهر خلال اليومين الماضيين من إصرار ترامب على التمسك بالسلطة وعدم تسليمها لمنافسه في حال أظهرت نتائج الفرز النهائية فوز الأخير في الانتخابات، لم يعد يشغل المحللين التفكير بما ستؤول إليه السياسة الخارجية الأمريكية وطريقة التعامل مع المشكلات الدولية العديدة بقدر ما يشغلهم ما سيؤول إليه الوضع الداخلي الأمريكي الذي يعاني جملة من الصراعات الداخلية والتمييز العنصري والكراهية وتدهور الاقتصاد وجائحة كورونا والبطالة المتصاعدة، وكلها عوامل مهيئة لإشعال فتيل الانفجار الداخلي الذي قد يضع حداً لسنوات طويلة من الغطرسة الأمريكية العالمية، ويعجّل بزوال السطوة الإمبريالية عن رقاب الشعوب والأمم، وهناك العديد من الأقطاب العالمية بدأت منذ فترة بتهيئة نفسها لتسلّم زمام المبادرة والحلول محل الولايات المتحدة في معالجة المشكلات الدولية التي بدأت تهدّد أمن الكوكب برمته.