سيصدمُ البعضُ من هذا العنوان؛ سيعتقدون كما تعتقد بعض «النسويات»- اللواتي يتبيّن أنهنّ أشدّ عداوةً للمرأة من قبيلة ذكور- أنني أقلّل من قيمةِ المرأة؛ ذرّةِ الأوكسجين التي تعطي لماءِ الحياة قيمتَه ومعناه.
إذ يخطر في بالي هذا التوصيف كلما رأيت تلك الأم الشابة كيف تعمل بهمّة خارقة وبإخلاصٍ نادر وتفانٍ لا حدودَ له مع ابتسامةٍ مذهلة على وجهها حين أراها ذاهبة بـ”بيدون” ماء وراجعة بأكياس الخضار وأغراض المطبخ جارّةً ولديها مثل قطتين صغيرتين مرّةً إلى الروضة ومرّة إلى بيت الجيران وثالثة نحو الدكان لتبلّل ريقهما بقطعة “بوظة”. إنها فعلاً المرأة النملة حتى بجسدها النحيل وخطواتها السريعة جيئةً وذهاباً كما لو أنّ لا شيء في هذا الكوكب أهمُّ مما تفعله في تلك اللحظة، أو كما لو أنّ أولادها وبيتها هما محور الكون ليلاً ونهاراً, الأجمل أنها لم تهمل نفسها بل ظلّتْ على أناقتها ومسحة الجمال النادر في عيونها.
يخطر في بالي هذا التوصيف كلما شاهدت أداء المقصرين للأسف, خاصّةً مع اقتراب الشتوية التي يقولُ متنبّئو الأرصاد إن أنيابها ستنغرز في أضلاعنا لتعوّض شكوانا من جهنم الحرارة التي ذابت «قرعاتنا» تحت لهيبها.
بل أقارنُ حالَ الناس بحال بعض الفاسدين عديمي الضمير فتحضرني قصّة «النملة والصرصور»؛ إذ كان الصرصور يلهو ويغنّي متبطّلاً طوال أيام الصيف، وعندما جاء الشتاء القارس وجد نفسه صفر اليدين من كل شيء (لا مازوت ولا بنزين ولا غاز ولا حطب ولا مؤونة) فراح يشكو كاذباً قلة الحيلة لجارته النملة, ويرجوها أن تساعده وتقرضه بعض الحبوب وراح يُقسم لها على دستور الغابة أنه سيدفع لها في الموسم القادم. وهكذا لا يزالان حتى اللحظة؛ هي تعمل بالإخلاصٍ الساري في جيناتها، وهو يقفز ويُصرصر و«يشوّش» وينكّد عليها نكايةً وحسداً وقلّة وفاء.