حدثنا صديقنا «الصدّي»، أطال الله في صبره، عن تاريخ بلدته النائية مع الكهرباء والماء وسائر الخدمات الأخرى، فبرغم عراقة هذه المنطقة وتاريخها الموغل في القدم، إلا أن «صدد» صارت تمتلك أيضاً تراثاً حديثاً كاملاً من المعاناة لأن الكهرباء لا تزورها إلا (صدفة)، والمياه لا تجري في مواسيرها إلا في المناسبات.. كأن المعنيين أرادوا أن يضيفوا إلى عراقتها التاريخية عراقة جديدة في المعاناة كي تجمع المجد من أطرافه وتصبح في واجهة المدن المهملة التي تعيش «بعلاً»، أي بانتظار الإله الذي يحنّ على الناس والمزروعات فيرسل الغمام المحمل بالغيث كي يروي العطاش كلما اشتد الجفاف..!.
يروي لنا صديقنا «الصدّي» المصدوم دائماً بوعود المعنيين عما يسميه فلسفة (الصهاريج) التي يتهافت عليها الناس من أجل الحصول على برميل ماء يسد الرمق، وعندما يتذرع الإداريون بأن هناك من يعتدي على شبكة المياه أثناء قدومها إلى صدد من أجل سقاية المزروعات، يضحك صديقنا الصدّي من كل قلبه ويقول: لو كان الأمر صحيحاً لوضعوا حداً للمتطاولين على الشبكة وانتهى الموضوع، لكنهم يريدون تحميل تقصيرهم للآخرين لأنهم يتركون هذه المنطقة بلا خدمات ولا مشروعات وهذا الأمر يطول الكهرباء وبقية المرافق الأخرى.. كأن هذه البلدة مازالت على الوضع الذي كانت عليه منذ فترات ما قبل الميلاد حتى اليوم!.
تحتل صدد رأس القائمة في المدن المهملة إلى جانب أختها «سلمية» والعديد من مناطق ريف حمص وحماه الشرقي، ويقترح المواطنون هناك أن يتم الإعلان عن مهرجان للمدن المهملة يمكن أن تدخل إحداها عبره في سجل «غينس» عساها تحظى إثرها ببعض الاهتمام ويتمتع أهل تلك المناطق بنعمة قطرة الماء ولمعة الكهرباء!.
صدّت«صدد» جحافل الغزاة تاريخياً، لكنها اليوم بحاجة إلى من يصدّ عنها العطش ويزيل عنها «العتم» ببعض الكهرباء.. وحتى ذلك الوقت – يقول صديقنا الصدّي: «صدّت نفسي عن الكلام».. «عرفتوا كيف»؟.