كممثل تماهى بالشخصية
يُحكى كثيراً عن بعض الممثلين الذين يتماهون بالدور، لدرجة يبقون بعد أداء الشخصية أياماً طويلة، وهم يعيشونها بكل هواجسها ونوازعها.. حيث يُروى عن الممثل (هيث ليدجر) الذي أدى شخصية (الجوكر) في فيلم (فارس الظلام) إخراج (كريستوفر لونان)؛ إنّ تقمصه الشديد للشخصية، أدى به للموت داخلها، وهذا الكلام ليس مجازاً، وإنما حقيقة، ذلك إنّ عدم استطاعة هيث ليدجر الخروج من الشخصية التي تلبّسته؛ أدى به ليضع نهاية لحياته، فكان أن لجأ إلى الانتحار، ومن المُهم هنا أن نذكر أن ليدجر نال عن دوره في أداء الشخصية بهذا الفيلم جائزة الأوسكار.
مناسبة الحديث عن ليدجر هيث أن ثمة من ينصح المُترجم ولاسيما مُترجم الشعر؛ أن يتقمص شخصية الشاعر في كل خلجة ودفقة شعرية في القصيدة، تماماً كما الممثل الذي يتقمص الشخصية ليؤديها على خشبة المسرح، أو في فيلم سينمائي، وحتى في مسلسل تلفزيوني، فهم يرون أن امتلاكنا (الآخرية) في فعل ترجمة الشعر؛ هو كامتلاك الممثل للشخصية التي يلعب دورها، وهو بهذا الشكل امتلاك من نوعٍ خاص، هو نوع من التمثل إلى درجة الذوبان فيما نملك، وهو مستوى لا يمكن للمترجم بلوغه إلا إذا كان جريئاً بما يكفي لمواجهة تحديه
وإذا كان من المستحيل على الممثل أن ينجح في أداء دوره إن لم يندمج في هذا الدور ويتماهى معه خلال الأداء التمثيلي؛ فمن المستحيل بالمثل على مترجمٍ ما، أن ينجح في ترجمة هذا الشاعر أو ذاك إن لم يندمج معه خلال فعل الترجمة, بمعنى من الصعوبة هنا أن ينجح مترجمٌ ما في نقل قصيدة إلى لغة أخرى؛ إن لم يكن شاعراً، و(شاعراً) هنا؛ ليس بالضرورة أن يكون لديه نص شعري خاص به، بقدر أن يعيش الحياة وكذلك النص الذي بين يديه كشاعر، لأنه يستطيع هنا أن يترجم النص الشعري بلغة الحياة اليوم، ذلك أنّ ترجمة نص ما اليوم تختلف عن ترجمته بعد ربع قرن أو أكثر، لأن لكل عصر لسانه الحاضر، وليس لسان العصور التي سبقته، أو ألسنة العصور القادمة، تماماً كما الممثل اليوم الذي يؤدي شخصية (عُطيل) في النص المسرحي الذائع الصيت لشكسبير؛ فهو بالتأكيد سيؤدي الشخصية بلغة تخلتف عما أدّاها ممثل في زمن شكسبير على سبيل المثال
أسوق كل ذلك؛ لأكشف هنا البرودة والحيادية المُخيفة التي تتم فيها عملية نقل الإبداع بواسطة الترجمة ولاسيما إلى اللغة العربية، وخاصةً هنا النص الشعري، وكأنّ ثمة مُترجماً آلياً نقل النص، لا روح ولا مشاعر في نص يكاد يحترق لشدة اليباس.