حضر الجميع وغاب الجمهور!
لا شك في أنّ ما تشهده مرحلة ما بعد الحرب، من فنون متدنية وتسويق مجاني لأعداد من مدّعي الأدب والفن، أمرٌ متوقع، لكن الأسوأ حقيقة هو ما يحدث في الفعاليات القائمة على مبدأ «منكم وإليكم»، حيث يحضر القائمون على النشاط ووسائل الإعلام، ويغيب «الجمهور»!.
وهو ما درجت عليه العادة في معارض الفن التشكيلي، فمعظم الحضور من الإعلاميين إضافة إلى عائلة الفنان وأصدقائه، وهؤلاء طبعاً لن نراهم في اليوم التالي أو ما بعده، ما يعني أن الفنان سيجالس أعماله وحيداً طوال خمسة عشر يوماً، وفي المراكز الثقافية أيضاً، لم تعد هناك حاجة لاستقبال الجمهور في الصالات الكبيرة، يمكن لمدير المركز استقبال العدد المحدود من الراغبين في سماع أمسية شعرية أو قصصية في غرفة مكتبه، وهو أمر يحصل منذ أعوام، بالطبع يمكن لفنون، كالسينما والمسرح، استقطاب حضور جماهيري كبير، ولذلك أسبابه أيضاً، إلّا أن عدم الاهتمام أو الرغبة في متابعة أي حالة ثقافية، من قبل شرائح واسعة من السوريين، أمرٌ غير مبشّر، ولاسيما أنه يؤكد عدم جدوى النشاط القائم، وغياب أي رأي أو تقييم.
يظن البعض أن العمل الثقافي يقتصر على تأسيس مراكز ومؤسسات، وتنظيم مهرجانات ومعارض وندوات، لكن ما القيمة لهذا وما الأثر الذي يمكن أن يحدثه، في حال لم يتفاعل معه سوى عدد محدود جداً من الجمهور؟، ولا تفوتنا الإشارة إلى أن التقنيات ووسائل التواصل الاجتماعي أتاحت لكل فرد الفرصة لمتابعة ما يشاء، ومع ذلك لا يبدو مفهوماً قلة الحضور في مختلف النشاطات الثقافية، بينما يزداد تواجده وتفاعله في «فيسبوك» مثلاً حول أي موضوع أو قضية!.
في المحصلة، ربما يجد البعض صعوبة في فهم لوحة ما، أو أن الشعر والقصة ليسا ضمن اهتماماتهم، وعلى المبدأ نفسه ستكون لدينا دائماً فنون نخبوية، تجذب نخبة معينة من المهتمين والمتذوقين، لكن لا بد من أن يدرك المعنيون في وزارة الثقافة، الإشكالية القائمة في قلّة زيارة المتاحف، وتكرار الوجوه في حفلات دار الأوبرا، وأنّ كثيراً من أبناء البلد لن يفكروا بحضور فعالية ثقافية، حتى لو كانت في الشارع المقابل وبالمجان!.